للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي الْحَجِّ جُبْرَانًا وَهُوَ: مَا وَجَبَ لِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِحَالٍ.

وَقَالَ أبو حنيفة: يجوز أن يأكل من دمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ مَا سِوَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ دَمُ نُسُكٍ لَا جُبْرَانٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ جَمِيعِ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ إِلَّا مِنْ دَمَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُمَا وَهُمَا جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ نَقِيسُ مَا خَالَفُوا فِيهِ عَلَى مَا أَجْمَعُوا هَاهُنَا عَلَيْهِ فَنَقُولُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ وَجَبَتْ إِرَاقَتُهُ في الحج فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ؛ وَلِأَنَّ الدَّمَ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يَقَعُ بِهِ التَّكْفِيرُ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَالطَّعَامِ يَعْنِي: الْحِنْطَةُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ فَأَكَلَ كَانَ ضَامِنًا له وفي كيفية ضمانه ثلاثة أوجه:

أحدهما: أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ وَرِقًا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى الْمَسَاكِينِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ قيمته.

والوجه الثاني: عليه بقدر وَزْنَهُ لَحْمًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَلَيْهِ وَأَسْهَلُ وَأَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَبِرَ مَا أَكَلَهُ مِنَ اللَّحْمِ كَمْ هُوَ مِنَ الْهَدْيِ أَنِصْفٌ أَمْ ثُلْثٌ؟ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ.

فَصْلٌ

: وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ نَذْرًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ سَلِمَ مَالِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ فَهَذَا لَا يجوز أن يأكل منه؛ لأنه جاري مَجْرَى الْبَدَلِ فَشَابَهَ الْجُبْرَانَ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ كَانَ ضَامِنًا عَلَى مَا مَضَى.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُجَازَاةِ وإنما هو تبرر: أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ فَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَاجِبٌ كَوُجُوبِ الْمُجَازَاةِ وَهَلْ يَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَالنَّذْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِإِيجَابِهِ فَصَارَ كَالتَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ.

فَصْلٌ

: وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) {الحج: ٢٨) وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أهدى

<<  <  ج: ص:  >  >>