للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ كُسِرَ صُلْبُهُ فَلَمْ يُطِقِ الْمَشْيَ فَفِيهِ الدِّيَةُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ قَدْ أَذْهَبَ جَمَالَهُ بِكَسْرِ صُلْبِهِ وَأَبْطَلَ تَصَرُّفَهُ بِذَهَابِ مَشْيِهِ فَكَمُلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ، فَإِنْ كُسِرَ صُلْبُهُ وَلَمْ يَذْهَبْ مَشْيُهُ وَصَارَ يَمْشِي كَالرَّاكِعِ وَجَبَ فِيهِ حُكُومَةٌ، لِذَهَابِ الْجَمَالِ مَعَ بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ صَارَ بَعْدَ كَسْرِ صُلْبِهِ مُنْتَصِبَ الظَّهْرِ لَكِنْ ذَهَبَ مَشْيُهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ تَامَّةً، لِذَهَابِ الْمَنْفَعَتَيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْجَمَالِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ، فَلَوْ صَارَ ضَعِيفَ الْمَشْيِ لَا يَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ وَلَا عَلَى السُّرْعَةِ فَفِيهِ حكومة، لأنه قد أذهب من مشيه مالا يَنْحَصِرُ، وَلَوِ انْحَصَرَ لَوَجَبَ فِيهِ مِنَ الدِّيَةِ بِقِسْطِهَا، وَلَوْ صَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إِلَّا مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا كَانَتْ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ حُكُومَتِهِ لَوْ مَشَى بِغَيْرِ عَصًا، وَكُلَّمَا أَوْجَبْنَاهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الدِّيَةِ أَوِ الْحُكُومَةِ فَإِنَّمَا نُوجِبُهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ بِالتَّوَقُّفِ عَنِ الْحُكْمِ بِهَا حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمْرُهَا، فَلَوْ حَكَمَ لَهُ بِالدِّيَةِ لِذَهَابِ مَشْيِهِ ثُمَّ صَارَ يَمْشِي مِنْ بَعْدُ اسْتَرْجَعَ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ مِنَ الدِّيَةِ إِلَّا قَدْرَ حُكُومَةِ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِكَسْرِ الصُّلْبِ وَذَهَابِ الْمَشْيِ شَلَلُ الْقَدَمَيْنِ لَزِمَتْهُ دِيَتَانِ، إِحْدَاهُمَا فِي ذَهَابِ الْمَشْيِ، وَالْأُخْرَى فِي شَلَلِ الرِّجْلَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا وَجَبَتْ دِيَةُ الرِّجْلَيْنِ بِذَهَابِ الْمَشْيِ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ فِيهِمَا شَلَلٌ، لِأَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ نَفْعَهُمَا.

قِيلَ: لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرِّجْلَيْنِ بَاقِيَةٌ فِي انْقِبَاضِهِمَا وَبَسْطِهِمَا لَا تَذْهَبُ إِلَّا بِالشَّلَلِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ الْمَشْيُ لِنَقْصٍ فِي غَيْرِهِمَا، فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ دِيَتُهَا إِلَّا بِشَلَلِهِمَا.

(فَصْلٌ)

وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَعَجَزَ عَنِ الْجِمَاعِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَجْزُهُ عَنْهُ لِضَعْفِ حَرَكَتِهِ مَعَ بَقَاءِ مَنِيِّهِ وَانْتِشَارِ ذَكَرِهِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْزَالِ بِاسْتِدْخَالِ ذَكَرِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَجْزُهُ عَنِ الْجِمَاعِ لِذَهَابِ مَنِيِّهِ وَعَدَمِ انْتِشَارِ ذَكَرِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، لِأَنَّهُ قَدْ أَذْهَبَ مَنْفَعَةَ الصُّلْبِ بِذَهَابِ الْمَنِيِّ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْجَانِي مَا ادَّعَاهُ نُظِرَ فَإِنِ اقْتَرَنَتْ بِدَعْوَاهُ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي ذَهَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عَلَامَةٌ سُئِلَ عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ، فَإِنْ قَالُوا: لَا يَذْهَبُ مِنْهُ الْجِمَاعُ حَلَفَ الْجَانِي وَلَمْ يَلْزَمِ الدِّيَةَ، وَإِنْ قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْهُ الْجِمَاعُ حَلَفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ، وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَأَذْهَبُ مَشْيَهُ وَجِمَاعَهُ مَعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَةُ عُضْوٍ وَاحِدٍ، حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>