للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَكْثَرَ مَنَافِعِ الثَّوْبِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ نَجَاسَتِهِ؛ لِبَقَاءِ أَكْثَرِ مَنَافِعِهِ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الزَّيْتِ النَّجِسِ، لذهاب أكثر منافعه، أو لا تَرَى أَنَّ الْمَيْتَةَ، وَإِنْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِلْمُضْطَرِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِذَهَابِ أَكْثَرِ مَنَافِعِهَا، وَلَوْ أُذِيبَ شَحْمُهَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا لَمْ يَخْلُ حَالُ مَا حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ مِنَ الْأَصْلِ خِلْقَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الطَّهَارَةِ أَصْلٌ كَالْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحَالٍ؛ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ، كَالْكَلْبِ، أَوْ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ كَالْخِنْزِيرِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا طَرَأَتْ نَجَاسَتُهُ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَهَارَتِهِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ جَاوَرَتْهُ، كَنَجَاسَةِ الْخَمْرِ، بِحُدُوثِ الشِّدَّةِ، وَنَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ، بِحُدُوثِ الْمَوْتِ.

وَالشِّدَّةُ والموت لا يوصف بِنَجَاسَةٍ وَلَا طَهَارَةٍ، وَإِنْ نَجُسَ بِهِمَا الْأَعْيَانُ الطَّاهِرَةُ.

وَهَذِهِ النَّجَاسَةُ مَانِعَةٌ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ إِزَالَتُهَا بِدِبَاغِ الْجِلْدِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إِزَالَتُهَا، كَاللَّحْمِ لِنَجَاسَةِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا يَتَخَلَّلُهَا جُزْءٌ طَاهِرٌ.

وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ مَا يُمْكِنُ إِزَالَةُ نَجَاسَتِهِ، كَالْجِلْدِ؛ لِإِمْكَانِ طَهَارَتِهِ بِالدِّبَاغَةِ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أن نجاسة الخمر يمكن إزالتها عنده بِالتَّخْلِيلِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، كَذَلِكَ الْجِلْدُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَبْلَ زَوَالِ نَجَاسَتِهِ مساوٍ لِمَا تُمْكِنُ إِزَالَةُ نَجَاسَتِهِ؛ لَا لِنَجَاسَةِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى حُكْمِ الطَّهَارَةِ، مَعَ عَدَمِهَا فِيهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا نَجُسَ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَاسَةِ لَهُ مَعَ طَهَارَةِ عَيْنِهِ، فَهَذَا يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَتَمَيَّزَ نَجَاسَتُهُ وَيُمْكِنَ إِزَالَتُهَا، كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، قَبْلَ إِزَالَةِ نَجَاسَتِهِ، لِعِلَّتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: إِمْكَانُ إِزَالَتِهَا.

والثَّانِيةُ: بَقَاءُ أَكْثَرِ مَنَافِعِهِ مَعَهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا تَتَمَيَّزَ نَجَاسَتُهُ؛ لِامْتِزَاجِهِ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُ إِزَالَتُهَا، كَالدِّبْسِ وَاللَّبَنِ إِذَا نَجُسَ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى طَهَارَتِهِ فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَاءُ النَّجِسُ يَطْهُرُ بالمكاثرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>