للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْ لَا، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالسُّجُودِ عُقَيْبَ الْجُلُوسِ فَإِذَا عَقَّبَ جُلُوسَهُ بِالْقِيَامِ لَمْ يُجْزِهِ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَلَزِمَهُ فِعْلُهُ لِيَكُونَ السُّجُودُ عُقَيْبَهُ كَالسَّعْيِ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى عُقَيْبِ الطَّوَافِ، فَلَوْ طَافَ وَصَبَرَ زَمَانًا ثُمَّ أَرَادَ السَّعْيَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الطَّوَافَ، ثُمَّ يُعْقِبُهُ السَّعْيَ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ بَلْ يَنْحَطَّ مِنْ فَوْرِهِ سَاجِدًا سَوَاءٌ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ أَمْ لَا، لِأَنَّ الْجِلْسَةَ غي مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا أُزِيدَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السجدتين، والقيام فاصل ينهما ونائب عن الجلسة

الوجه الثَّالِثُ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ انْحَطَّ سَاجِدًا مِنْ فَوْرِهِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ جَلَسَ عَادَ فَجَلَسَ ثُمَّ سَجَدَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ مَقْصُودٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " فَإِذَا فَعَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَتُهُ كَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ وُجُوبِ تَعَقُّبِ السَّجْدَةِ بِالْجُلُوسِ فَفَاسِدٌ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ سَهْوَهُ عَنِ السَّجْدَةِ حَتَّى يَسْجُدَ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ تُجْزِئُهُ عَنِ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُقَيْبَ جُلُوسٍ وَإِنْ ذَكَرَ فَرَقًا، فَإِنَّ الْفَرَقَ اعْتِذَارٌ بَعْدَ وُجُودِ النَّقْصِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَصَحُّ الْوُجُوهِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَانْحَطَّ سَاجِدًا مِنْ فَوْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ قَبْلَ قِيَامِهِ عَادَ فَجَلَسَ ثُمَّ سَجَدَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ جَلَسَ قَبْلَ قِيَامِهِ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهَا الْجِلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَهَلْ يَنُوبُ ذَلِكَ مَنَابَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: لَا تَنُوبُ مَنَابَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِأَنَّ هَذِهِ فَرِيضَةٌ وجلسة الاستراحة والنفل سنة، والنفل لا تنوب مَنَابَ الْفَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً وَسَجَدَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَمْ تَنُبْ عَنْ سَجْدَةِ الْفَرْضِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ تَنُوبُ مَنَابَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِأَنَّ نِيَّةَ الصلاة تبسط على أفعالها، وليس يلزمه تَحْدِيدُ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ فِعْلٍ مِنْهَا، فَإِذَا وَجَدَ الْفِعْلَ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ وَهَيْئَتِهِ قَامَ مَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى صِفَتِهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا الْوَجْهَ فَرَّقَ بَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي أَنَّهَا لَا تَنُوبُ عَنْ سَجْدَةِ الْفَرْضِ وَبَيْنَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي أَنَّهَا تَنُوبُ عَنْ جُلُوسِ الْفَرْضِ بِأَنْ قَالَ: سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَارَضٌ، وَالْعَارِضُ لَا يَنُوبُ عَنِ الرَّاتِبِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ رَاتِبَةٌ فَجَازَ أَنْ تَنُوبَ عَنِ الرَّاتِبِ

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنَ الثَّانِيَةِ أنه نسي سجدة ن الْأُولَى، فَإِنَّ عَمَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلَا عَمَلٍ، فَإِذَا سَجَدَ فِيهَا كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتِ الْأُولَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ، وَسَقَطَتِ الثَّانِيَةُ "

<<  <  ج: ص:  >  >>