يُثْبِتَ عَلَى الْجَانِي مَا وَجَبَ بِهَا، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَقْبِضَ الْأَرْشَ مَا كَانَ قَابِضًا لِلرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الْأَرْشِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَلِلْعَدْلِ قَبْضُ الْأَرْشِ فَإِنْ عَفَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَنِ الْأَرْشِ بَرِئَ الْجَانِي وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَدْلِ أَنْ يَقْبِضَ الْأَرْشَ، وَإِنْ عَفَا الْمُرْتَهِنُ عَنِ الْأَرْشِ دُونَ الرَّاهِنِ بَطَلَتْ وَثِيقَةُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْأَرْشِ وَلَمْ يَبْرَأِ الْجَانِي وَكَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ الْأَرْشَ دُونَ الْعَدْلِ لِأَنَّ الْعَدْلَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْأَرْشَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَعَفْوُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ أَبْطَلَ وَثِيقَتَهُ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْعَدْلِ نِيَابَةٌ عَنْهُ، وَإِنْ عَفَا الرَّاهِنُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ قَدْ أَوْقَعَ حَجْرًا عَلَيْهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إِذَا عَفَا عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّ عَفْوَ الرَّاهِنِ لَا يُبْطِلُ مِلْكَهُ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَجْرًا عَلَيْهِ، وَعَفْوُ الْمُرْتَهِنِ يُبْطِلُ وَثِيقَتَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ حَجْرًا عَلَيْهِ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَفْوُ الرَّاهِنِ فَلِلْعَدْلِ قَبْضُ الْأَرْشِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ نِيَابَةِ الْعَدْلِ عَنِ الرَّاهِنِ إِذْ عَفْوُهُ لَمْ يُبْطِلْ مِلْكَهُ عَنِ الْأَرْشِ، فَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِنَ الْأَرْشِ كَانَ الْفَاضِلُ مِنْهُ مَرْدُودًا عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْعَفْوُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا يُوجِبُ الْقَوَدَ فَلِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقِصَاصِ أَوِ الْمَالِ فَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْمُرْتَهِنُ.
وَقَالَ أبو حنيفة لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْتَصَّ إِلَّا بِحُضُورِ الْمُرْتَهِنِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الرَّهْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ الرَّهْنِ. وَإِنِ اخْتَارَ الرَّاهِنُ الْمَالَ وَعَفَا عَنِ الْقِصَاصِ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ عَلَى مَا مَضَى فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْبِضَهُ وَالْمُسْتَحِقُّ لِقَبْضِهِ مَنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ. فَإِنْ عَفَا الرَّاهِنُ عَنِ الْقِصَاصِ وَالْمَالِ مَعًا فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنٍ صَحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْقِصَاصِ وَهَلْ يَصِحُّ عَنِ الْمَالِ أم لا على قولين مضيا.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا بِدَنَانِيرَ وَعَبْدًا بِحِنْطَةٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَانَتِ الْجِنَايَةُ هَدَرًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْعَبْدَيْنِ إِذَا رُهِنَا عِنْدَ رَجُلٍ بِحَقَّيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَقَّانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ جِنْسَيْنِ.
فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَهْنًا على عشرين دينارا والآخر رهنا على كسر حنطة، فإن كان قيمة الحنطة عشرين دينار فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَبْدَيْنِ إِذَا رُهِنَا بِحَقَّيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَكْثَرَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَبْدَيْنِ إِذَا رُهِنَا بِحَقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute