للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَأْيُّ الزَّوْجَيْنِ كَانَ أَعْجَمِيًّا الْتَعَنَ بِلِسَانِهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْقَذْفُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ لِمَنْ يَعْرِفُهَا فَكَالْقَذْفِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عَرَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا، فَأَمَّا اللعان بالأعجمية فإن كان ممن يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ جَازَ لِعَانُهُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَمِينًا أَوْ شَهَادَةً وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ بالعربية نُظِرَ فِي أَصْلِ لِسَانِهِ وَعُمُومِ كَلَامِهِ فَإِنْ كَانَ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ وَالْكَلَامِ وَهُوَ يَعْرِفُ الْأَعْجَمِيَّةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللِّعَانَ مَحْمُولُ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْقُرْآنُ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بِلِسَانِهِ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْعَرَبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِي عُدُولِ الْعَرَبِيِّ عَنْ لِسَانِهِ اسْتِرَابَةً تَضْمَنُ احْتِمَالًا يَمْنَعُ مِنْ تَغْلِيظِ اللِّعَانِ، فَإِنْ كَانَ أَصْلُ لِسَانِهِ أَعْجَمِيًّا، وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ بِالْأَعْجَمِيَّةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ اعْتِبَارًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ فِي اللِّعَانِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ اعْتِبَارًا بِزَوَالِ الِاسْتِرَابَةِ مِنْ مِثْلِهِ فِي جَرْيِهِ عَلَى عَادَةِ لِسَانِهِ.

(فَصْلٌ)

فَإِنْ أَرَادَ الْحَاكِمُ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَ الْأَعْجَمِيَّيْنِ بِالْأَعْجَمِيَّةِ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِلِسَانِهِمَا أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ، فَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِلِسَانِهِمَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تُرْجُمَانٍ وَجَعَلَ الحاضرين للعانهما من يعرفون الأعجمية، أن يَكُونُ فِيهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا الْعَدَدُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُمَا احْتَاجَ إِلَى تُرْجُمَانٍ، وَاخْتُلِفَ فِي التَّرْجَمَةِ هَلْ تَكُونُ خَبَرًا أَوْ شَهَادَةً.

فَجَعَلَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ خَبَرًا وَاعْتَمَدَ فِيهَا عَلَى تَرْجَمَةِ الْوَاحِدِ كَالْأَخْبَارِ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَهَادَةٌ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُتَرْجِمِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا مِنَ الْمُتَرْجِمِ فَصَارَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةً بِإِقْرَارٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهَا حُكْمُ الشَّهَادَاتِ، وَسَنَسْتَوْفِي الْكَلَامَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ " الشَّهَادَاتِ ".

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ شَهَادَةٌ فَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي لِعَانٍ قَدْ يَجْرِي عَلَيْهِ بَعْضُ أَحْكَامِ الزِّنَا وَالشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا مُعْتَبَرَةٌ بِمَا تَضَمَّنَهَا فَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا لَمْ تَثْبُتْ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا فَعَلَى قَوْلَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>