وَإِنْ ظَهَرَ مِنَ الْمُشْتَرِي بَذْلُ الثَّمَنِ وَقَالَ: لَا أَدْفَعُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الثَّمَنَ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْهُمْ يُخْرِجُونَ ذَلِكَ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كَالْمَبِيعِ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُفْلِسٍ لَكِنْ لَا يَجِيءُ هَاهُنَا إِلَّا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَأْمُرُهُمَا بِإِحْضَارِ ذَلِكَ إِلَى مَجْلِسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَنْصِبَ لَهُمَا عَدْلًا غَيْرَ الْعَدْلِ الَّذِي يَتَوَلَّى مَالَ الْمُفْلِسِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُجْبِرُ بَائِعَ مَالِ الْمُفْلِسِ عَلَى التَّسْلِيمِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الدَّفْعِ لِلثَّمَنِ.
فَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أنَّ الحاكم يدعهما معا فلا يجئ هَاهُنَا قَالُوا وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَا يدفع إلى من اشترى شيئا حتى يقبض الثَّمَنَ. يَعْنِي: حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ بَذْلُ الثَّمَنِ. قَالُوا، لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَإِنْ لَزِمَهُ الِاحْتِيَاطُ لِلْمُفْلِسِ فَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا لَا يَجُوزُ إِجْبَارُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ مِنْهُمْ: بَلْ لَا يَجُوزُ لِبَائِعِ مَالِ الْمُفْلِسِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ بِمُفْلِسٍ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ يَلْزَمُهُ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَاطِ مَا لَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ وَالْمُشْتَرِي مَالُهُ دَاخِلٌ عَلَى بَصِيرَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ بَيْعَ مَالِ الْمُفْلِسِ بِحُكْمِهِ فَالْمُشْتَرِي يَأْمَنُ فِي تَعْجِيلِ الثَّمَنِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ مَا لَا يَأْمَنُ فِي غَيْرِهِ فَكَانَ مَا يَتَخَوَّفُهُ مَعَ غَيْرِ الْمُفْلِسِ مَأْمُونًا في ابتياع مال المفلس.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا ضَاعَ مِنَ الثَّمَنِ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا وَضَعَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَضَاعَ مِنْ يَدِهِ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ دُونَ غُرَمَائِهِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمُبْدَلِ فَهَلَاكُ بَدَلِهِ مِنْ مَالِهِ كَالْوَكِيلِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ بِمَا يغني عن الإعادة.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَبْدَأُ فِي الْبَيْعِ بِالْحَيَوَانِ وَيَتَأَنَّى بِالْمَسَاكِنِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَهْلُ الْبَصَرِ بِهَا أَنَّهَا قَدْ بلغت أثمانها ".
وَهَذَا صَحِيحٌ. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِبَيْعِهِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَخْوَفَ فَأَوَّلُ مَا يُقَدِّمُ بَيْعَهُ الْحَيَوَانُ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَفْسٌ يُخَافُ تَلَفُهَا.
وَالثَّانِي: ما يحتاج إليه من مؤونة عَلَفٍ فِيهَا وَكَذَلِكَ كَرِهَ أَهْلُ الِاحْتِيَاطِ اقْتِنَاءَ الحيوان وقالوا: مؤونة ضِرْسٍ وَضَمَانُ نَفْسٍ. فَلِهَذَيْنِ أَوَّلُ مَا قُدِّمَ بِيعُ الْحَيَوَانِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ إِلَّا أَنْ