للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْهُمْ إِلَّا عَنْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْخَبِرَانِ فِي رَجُلَيْنِ، وهو الأظهر؛ لاختلاف الحالين.

واحتمل أن يكون في رجل واحد روي على لفظتين مختلفتين وَحَالَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ.

وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ بِدَوَاعِيهِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ إِذَا لَمْ يُصَادِفُ مِلْكًا قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ عَقْدٍ.

فَإِنْ قِيلَ: العقد شبهة.

قيل: الشبهة ما اشتبه حُكْمُهُ بِالِاخْتِلَافِ فِي إِبَاحَتِهِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُشْتَبَهٍ لِلنَّصِّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَلَمْ يَكُنْ شُبْهَةً.

وَقَوْلُنَا: يَحْرُمُ بِدَوَاعِيهِ، احْتِرَازًا مِنْ وَطْءِ المحرمة والصائمة الحائض.

وَقَوْلُنَا: غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، احْتِرَازًا مِنَ الْمَنَاكِحِ الْمُخْتَلِفِ فِيهَا.

وَقَوْلُنَا: إِذَا لَمْ يُصَادِفُ مِلْكًا، احْتِرَازًا مِنَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مَنْ لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَالْعَقْدِ عَلَى الْغُلَامِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ بَعْدَهُ كَوُجُودِهِ قَبْلَهُ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى المناكح الفاسدة فالمعنى فيه ما ذكرنا من اختلاف الناس فيه.

وقياسهم عَلَى الْكَافِرِينَ فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ مُبَاحًا في دينهم، واستدلالهم بِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الزِّنَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الزِّنَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ في المجوس لاعتقادهم إباحته، وينطلق عليه من الْمُسْلِمِينَ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَهَذَا حُكْمُ الْعَقْدِ وَشُبْهَتُهُ وَهُمَا شَرْطَانِ مِنَ السِّتَّةِ.

(فَصْلٌ)

وأما الملك فهو أن يطأ به أمة يصح مِلْكُهُ لَهَا وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فَيَكُونُ مُبَاحًا كَالنِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهِنَّ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَسْتَقِرُّ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ كَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ فَوَطْؤُهُ لَهَا وَإِنْ مَلِكَهَا زِنًا، يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ بِعِتْقِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَسَائِرِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَفِي وُجُوبِ الحد عليها بِالْوَطْءِ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الحد عليها؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ بِحَالٍ فَأَشْبَهَ مِلْكَ الْغُلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>