كَالتُّرَابِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَسْلُبْهُ التُّرَابُ حُكْمَ التَّطْهِيرِ لَمْ يَسْلُبْهُ غَيْرُهُ مِنَ الْمَذْرُورَاتِ حُكْمَ التَّطْهِيرِ، كَمَا الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالْمُخَالَطَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ تَغَيُّرٍ لَوْ كَانَ لِطُولِ الْمُكْثِ لو يمنع مِنَ التَّطْهِيرِ، وَجَبَ إِذَا كَانَ بِالْمُخَالَطَةِ أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنَ التَّطْهِيرِ كَالْمُلُوحَةِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنَ التَّطْهِيرِ بِهِ كَمَاءِ الْبَاقِلَّاءِ وَلِأَنَّهُ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَأْكُولٍ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ جَوَازَ التَّطَهُّرِ بِهِ كَالْمَرَقِ، وَلِأَنَّ الْمَذْرُورَاتِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مُوَافِقٌ لِلْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالتَّطْهِيرِ وَهُوَ التُّرَابُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ لَمْ يَسْلُبْهُ وَاحِدَةً مِنْ صِفَتَيْهِ لَا الطَّهَارَةِ وَلَا التَّطْهِيرِ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُمَا فِيهِمَا.
وَقِسْمٌ مُخَالِفٌ لِلْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ وَالتَّطْهِيرِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ سَلَبَهُ الْوَصْفَيْنِ مَعًا الطَّهَارَةَ وَالتَّطَهُّرَ، لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا.
وَقِسْمٌ مُوَافِقٌ الْمَاءَ فِي الطَّهَارَةِ دُونَ التَّطْهِيرِ وَهُوَ الزَّعْفَرَانُ وَمَا شَاكَلَهُ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ وَجَبَ أَنْ يَسْلُبَهُ الصِّفَةَ الَّتِي يُخَالِفُهُ فِيهَا وَهُوَ التَّطْهِيرُ دُونَ الصِّفَةِ الَّتِي وَافَقَهُ فِيهَا، وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ يَمْنَعُ مِنْ جَمْعِهِمْ بَيْنَ التُّرَابِ وَسَائِرِ الْمَذْرُورَاتِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَالْمَعْنَى فِيهِ فَقْدُ الْغَلَبَةِ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُلُوحَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَسَنَذْكُرُ الْمَذْهَبَ فِيمَا تَغَيَّرَ بِالْمِلْحِ.
[مسألة]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَوْ نَبِيذٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَنْبِذَةِ لَا نَيًّا، وَلَا مَطْبُوخًا، لَا فِي حَضَرٍ، وَلَا فِي سَفَرٍ، وَهُوَ نَجِسٌ إِنْ أَسْكَرَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِسَائِرِ الْأَنْبِذَةِ، وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ الْمَطْبُوخِ، إِذَا كَانَ مُسْكِرًا فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ، وَقَالَ: محمد بن الحسن: يَجْمَعُ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالتَّيَمُّمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو فَزَارَةَ الْعَبْسِيُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute