فَيُقَالُ لِلْمُزَنِيِّ: الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْتَهُ وَلَا تَلْزَمُ الرَّاهِنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيمَتُهَا إِذَا جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبِلَهَا: إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ، وَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ قِيمَتُهَا إِذَا كَانَ مُوسِرًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَنَقَلْتَهُ أَنْتَ أَيُّهَا الْمُزَنِيُّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إِلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَدْ ذكره الشافعي في الأم صحيحا.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ حُدَّ وَوَلَدُهُ مِنْهَا رَقِيقٌ لَا يَلْحَقُهُ وَلَا مَهْرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْجَهَالَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ حَدِيثًا أَوْ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وَطْءِ الرَّاهِنِ بِإِذْنٍ وَبِغَيْرِ إِذْنٍ. فَأَمَّا وَطْءُ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَخْلُو فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَعْلَمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمَ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الزِّنَا وَأَنَّ وَطْأَ الْمَرْهُونَةِ زِنًا، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الزَّانِي وَيَتَعَلَّقُ بِوَطْئِهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: وُجُوبُ الْحَدِّ.
وَالثَّانِي: انْتِفَاءُ النَّسَبِ.
والثالث: سقوط المهر إن طَاوَعَتْ، وَوُجُوبُهُ إِنْ أُكْرِهَتْ.
فَأَمَّا الْحَدُّ فَهُوَ واجب عليه. وأما هي إن طَاوَعَتْهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَيْضًا وَإِنْ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُبُهَاتِ " وَعَقْدُ الرَّهْنِ شُبْهَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَدْرَأَ بِهَا الْحَدَّ قَالَ: وَلِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ في الرهق حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ فِي الْمُكَاتَبَةِ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ عَلَى السَّيِّدِ فِي وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ وَجَبَ أَلَّا يَجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ حَدٌّ.
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى جَارِيَةٍ أَوْجَبَ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا كَالْمُكَاتَبَةِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ كَتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْوَاطِئِ لَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْوَاطِئِ.