للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ وَلَاءٌ مِلْكُهُ لِلْأَبِ فَانْتَقَلَ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهِ ابْنَاهُ، وَلَا يَخْتَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا كَمَا لَوْ تَحَرَّرَ عِتْقُ جَمِيعِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْمُصَدِّقُ بِوَلَاءِ النِّصْفِ كُلِّهِ، لِأَنَّ أَخَاهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ وَلَاءَ النِّصْفِ الْبَاقِي لَوْ صَدَّقَ وَقَدْ صَارَ إِلَيْهِ بِالتَّكْذِيبِ رِقُّ بَاقِيهِ فَلَمْ يَمْلِكِ الْوَلَاءَ فِي حَقِّ أَخِيهِ، وَجَرَى مَجْرَى أَخَوَيْنِ حَلَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى دَيْنٍ لِأَبِيهِ مَعَ شَاهِدٍ أَقَامَهُ وَنَكَلَ الْآخَرُ، اخْتَصَّ الْحَالِفُ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَلَمْ يُشَارِكْهُ الْأَخُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى مِثْلِ مَا صَارَ إِلَى أَخِيهِ لَوْ حَلَفَ.

وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فِي مَوْتِ هَذَا الَّذِي قَدْ عَتَقَ نِصْفُهُ وَرَقَّ نَصِفُهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُورَثُ مَا لَمْ تَكْمُلْ حُرِّيَّتُهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُكَذِّبِ الْمَالِكِ لِرِقٍّ نِصْفِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ مَوْرُوثًا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ فَيَكُونُ نِصْفُهُ لِلْمُكَذِّبِ مِلْكًا بِحَقِّ الرِّقِّ، وَالنِّصْفُ الْمُقَابِلُ لِحُرِّيَّتِهِ لِوَلَدِهِ إِنْ كَانَ لَهُ، لِأَنَّ النَّسَبَ فِي الْمِيرَاثِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مُنَاسِبٌ انْتَقَلَ بِالْوَلَاءِ إِلَى مَالِكِ الْوَلَاءِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ الْمُصَدِّقِ مِنْهُمَا وَالْمُكَذِّبِ كَانَ مِيرَاثُ النِّصْفِ بَيْنَهُمَا، لِكَوْنِ الْوَلَاءِ لَهُمَا وَاخْتُصَّ الْمُكَذِّبُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مِلْكًا، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ لِلْمُصَدِّقِ كَانَ مِيرَاثُ النِّصْفِ لَهُ خَاصَّةً، وَصَارَ مَا خَلَّفَهُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةً نِصْفُهُ بِالْمِلْكِ لِلْمُكَذِّبِ وَنِصْفُهُ بالإرث للمصدق.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ وَرِثَا مُكَاتَبًا فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَهُوَ برئ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى إِلَى أَخِيهِ نَصِيبَهُ عَتَقَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْأَبِ وَإِنْ عَجَزَ قُوِّمَ عَلَيْهِ وَعَتَقَ إِنْ كَانَ مُوسِرًا وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فِنِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ لِأَخِيهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَعْتِقُ نِصْفُهُ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَتَرَكَ ابْنَيْنِ لَمْ تَبْطُلِ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ لِلُزُومِهَا فِي حَقِّهِ، وَمَا لَزِمَ مِنَ الْعُقُودِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِالْمَوْتِ كَالْبُيُوعِ.

وَعَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَالَ الْكِتَابَةِ إِلَى الِابْنَيْنِ، لِقِيَامِهِمَا فِيهَا مَقَامَ الْأَبِ، وَلَيْسَ لَهُمَا فَسْخُهَا لِأَنَّ مَا لَزِمَ الْأَبَ كَانَ لَهُمَا أَلْزَمَ. فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إِلَيْهِمَا مَا عَلَيْهِ عَتَقَ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْأَبِ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِمَا بِالْإِرْثِ وَإِنْ عَجَزَ وَاسْتَرَقَاهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>