(فَصْلٌ)
فَأَمَّا عِبَادَاتُهُ فَتَصِحُّ مِنْهُ بِدُخُولِهِ فِيهَا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ تَطَوُّعًا فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطي نَفَقَةَ الْحَجِّ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ نَفَقَةَ حَجِّهِ.
فَلَوْ أَفْسَدَهُ بِوَطْءٍ مَكَّنَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْمُضِيِّ فِيهِ حتى ينهيه فأما نفقة لقضاء فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُعْطِيهِ لِوُجُوبِهِ وَهُوَ قَوْلُ محمد بن الحسن.
وَالثَّانِي: لَا يُعْطِيهِ لِتَعَلُّقِهِ بِإِفْسَادِهِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ فِي الثَّانِي مِثْلُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ حَجْرِهِ كَفَّارَةٌ فَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ تَخْيِيرٍ بَيْنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْمَالِ.
وَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ تَرْتِيبٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَلَ إِلَى الصَّوْمِ إِلَّا بِالْإِعْسَارِ فَهَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْيَسَارِ أَوِ الْإِعْسَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْيَسَارِ لِوُجُودِ مِلْكِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ وَيُكَفِّرُ بِالْمَالِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ بِالْحَجْرِ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمُعْسِرِ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بِالصَّوْمِ حَتَّى فُكَّ حَجْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَاعَى بِالْكَفَّارَةِ حَالُ الْأَدَاءِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ. وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَاعَى بِالْكَفَّارَةِ حَالُ الْوُجُوبِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجْزِيهِ الصَّوْمُ اعْتِبَارًا بِحَالِهِ عِنْدَ الْوُجُوبِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجْزِيهِ إِلَّا الْمَالُ لِأَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا وَإِنَّمَا ثُبُوتُ الْحَجْرِ عليه كان مانعا.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَتَى أُطْلِقَ عَنْهُ الْحَجْرُ ثُمَّ عَادَ إِلَى حَالِ الْحَجْرِ حُجِرَ عَلَيْهِ وَمَتَى رَجَعَ بَعْدَ الْحَجْرِ إِلَى حَالِ الْإِطْلَاقِ أُطْلِقَ عَنْهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّفَهِ ثُمَّ ظَهَرَ رُشْدُهُ وَجَبَ على الحاكم أن يفك حجره وفي هذا الرُّشْدِ الَّذِي يُوجِبُ فَكَّ حَجْرِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَالْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ.
فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُوجَدِ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ. أَوْ وُجِدَ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فِي الدِّينِ وَجَبَ اسْتِدَامَةُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ الْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إسحاق المروزي.