للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا يَجِبَانِ بِالشَّرْطِ؛ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَمْشِيَ إِذَا شَرَطَ الْمَشْيَ وَيَلْزَمَهُ أَنْ يَرْكَبَ إِذَا شَرْطَ الرُّكُوبَ، لِأَنَّ فِي الْمَشْيِ زِيَادَةَ عَمَلٍ وَفِي الرُّكُوبِ زِيَادَةُ نَفَقَةٍ، وَكِلَاهُمَا قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ النَّذْرِ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيهِ إِلَّا مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ كَمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْأُضْحِيَّةُ وَالِاعْتِكَافُ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ فِيهِ الشَّرْعُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَشْبَهُ: أَنَّ الْمَشْيَ يَلْزَمُ بِاشْتِرَاطِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الرُّكُوبُ بِاشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَشْيِ مَشَقَّةً، فَلَزِمَ لِتَغْلِيظِهِ، وَفِي الرُّكُوبِ تَرْفِيهٌ فَلَمْ يَلْزَمْ لِتَحْقِيقِهِ وَأَدَاءُ الْأَخَفِّ بِالْأَغْلَظِ مُجْزِئٌ وَأَدَاءُ الْأَغْلَظِ بِالْأَخَفِّ غَيْرُ مُجْزِئٍ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حَجَّا مَاشِيَيْنِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ كَمَا آسَى عَلَى أَنْ لَوْ حَجَجْتُ فِي شَبَابِي مَاشِيًا ".

وَقَدْ سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) {الحج: ٢٧) فَبَدَأَ بِالرَّجَّالَةِ قَبْلَ الرُّكْبَانِ.

فَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إِنَّ الْمَشْيَ وَالرُّكُوبَ لَا يَجِبَانِ بِالشَّرْطِ، لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ فِيهِ مِنْ بَلَدِهِ اعْتِبَارًا بِفَرْضِ الْحَجِّ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا اعْتُبِرَ بِفَرْضِهِ فِي سُقُوطِ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ.

وَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي إِنَّ الْمَشْيَ وَالرُّكُوبَ يَجِبَانِ بِالشَّرْطِ ابْتَدَأَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ مَسِيرِهِ مِنْ دُوَيْرَةِ أهله ولزمه الإحرام فيها مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ مِنْ حُقُوقِ هَذَا الْحَجِّ، الْمَنْدُوبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُقُوقِ حَجِّ الْإِسْلَامِ وَجَبَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ الْإِحْرَامُ لِيَصِيرَ بِهِ دَاخِلًا فِي لَوَازِمِ النَّذْرِ.

وَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ بِالشَّرْطِ، وَالرُّكُوبَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالشَّرْطِ، لَزِمَهُ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشْيِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ بَلَدِهِ، وَفِي اشْتِرَاطِ الرُّكُوبِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِهِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ مَا شَرَطَهُ مِنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ، فَخَالَفَ شَرْطَهُ فَرَكِبَ، وَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَمْشِيَ وَمَشَى، وَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَرْكَبَ فَحَجُّهُ مجزئٌ عَنْ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَجُّ النَّذْرِ بِأَوْكَدَ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا الْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ بِأَوْكَدَ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ إِجْرَاءِ الْفَرْضِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ إِجْزَاءِ النَّذْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ جُبْرَانُ مَا أخرهُ مِنَ الْإِحْرَامِ، وَفِي وُجُوبِ جُبْرَانِ مَا تَرَكَهُ مِنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>