وأما الجواب عن استدلالهم اسْتِدْلَالِهِ بِالْمَاءِ فَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ لِلْأَحْجَارِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَمَّا اعْتُبِرَتْ فِيهِ إِزَالَةُ الْأَثَرِ لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى الْعَدَدِ، وَالْأَحْجَارُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا إِزَالَةُ الْأَثَرِ افْتَقَرَتْ إِلَى الْعَدَدِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْإِنْقَاءِ فَمَعَ الْإِنْقَاءِ تَعَبُّدٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْوُلُوغِ وَعَدَدِ الْإِقْرَاءِ.
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَلَا عَظْمٌ، فَفِي الرَّجِيعِ لِأَصْحَابِنَا تَأْوِيلَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ النَّجْوُ الَّذِي قَدْ رَجَعَ عَنِ الطَّعَامِ فَصَارَ نَجِسًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ مُظْهَرٌ وَتَقْدِيرُهُ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَمَا قَامَ مَقَامَهَا لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَلَا عَظْمٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجِيعَ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي قَدِ اسْتُعْمِلَ مَرَّةً فَصَارَ رَاجِعًا عَنِ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ يَسْتَنْجِي بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ ولا عظم. والله أعلم.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يمسح بحجرٍ قد مسح به مرة إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَهَّرَهُ بِالْمَاءِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَعْمَلَهُ فَقَدْ صَارَ نَجِسًا وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالشَّيْءِ النَّجِسِ لَا يَجُوزُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوْثِ لِنَجَاسَتِهِ وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزِيلُ النَّجَاسَةَ عَنْ مَحَلٍّ طَاهِرٍ كَمَا لَا تَزُولُ نَجَاسَةُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَوَّزْتُمُ الدِّبَاغَةَ بِالشَّيْءِ النَّجِسِ فَلِمَ مَنَعْتُمْ مِنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالشَّيْءِ النَّجِسِ؟ قِيلَ: إِنَّمَا جَوَّزْنَا الدِّبَاغَةَ بِالشَّيْءِ النَّجِسِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لأنها تخلف الزكاة والزكاة يَجُوزُ بِالسِّكِّينِ النَّجِسِ، فَكَذَلِكَ الدِّبَاغَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ يَخْلُفُ الْمَاءَ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ النَّجِسِ فَكَذَلِكَ الْأَحْجَارُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ نَجَاسَتِهِ فَإِنْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ حَتَّى طَهُرَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيَةً، وَإِنْ غَسَلَهُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ ثَانِيَةً جَازَ اسْتِعْمَالُهُ ثَالِثَةً لِأَنَّهُ بِالْغَسْلِ قَدْ صَارَ طَاهِرًا، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ مَنَعْتُمْ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ ثَانِيَةً فَلِمَ جَوَّزْتُمُ اسْتِعْمَالَ الْحَجَرِ الْمُسْتَعْمَلِ ثَانِيَةً؟ قُلْنَا هُمَا سَوَاءٌ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا إِعَادَةَ الْحَجَرِ الْمُسْتَعْمَلِ ثَانِيَةً لِأَنَّ الْغَسْلَ قَدْ عَادَ إِلَى أَصْلِهِ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَوْ عَادَ إِلَى أَصْلِهِ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مُخَالَطَةِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ الطَّاهِرِ جَوَّزْنَا اسْتِعْمَالَهُ ثَانِيَةً.
: فَإِنْ ثَبَتَ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْغَسْلِ يَابِسًا فَاسْتِعْمَالُهُ جَائِزٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ رَطْبًا وَالْمَاءُ عَلَيْهِ قَائِمًا فَاسْتِعْمَالُهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَزُولَ الْمَاءُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ يَزِيدُ الْمَحَلَّ تَنْجِيسًا وَلَا يُزِيلُ شَيْئًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute