للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّمَرِ يُسَمَّى عُشْرًا، وَالْمَأْخُوذَ مِنَ الْمَاشِيَةِ يُسَمَّى صَدَقَةً، وَالْمَأْخُوذَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ يُسَمَّى زَكَاةً، وَلَا يَجْعَلُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ تَأْثِيرًا فِي اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: هِيَ مُخْتَلِفَةُ الْأَسْمَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فَخَصَّ الْمَأْخُوذَ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ بِاسْمِ الْعُشْرِ دُونَ الصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ، وَجَعَلَ حُكْمَهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الْعُشْرِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي مَالِهِمَا صَدَقَةٌ وَلَا زَكَاةٌ.

وَالثَّانِي: جَوَازُ مَصْرَفِ الْعُشْرِ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ، وَإِنْ لَمْ تُصْرَفْ فِيهِمْ صَدَقَةٌ وَلَا زَكَاةٌ.

وقال الشافعي في الجديد: الأسماء المشتركة وَالْأَحْكَامُ مُتَسَاوِيَةٌ، وَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى صَدَقَةً وَزَكَاةً، أَمَّا تَسْمِيَتُهُ بالصدقة فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فما دُونَ خَمْسَةِ، أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ زَكَاةً فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْكَرْمِ: " يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ ثَمَرًا " وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ مُشْتَرِكَةٌ ثَبَتَ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَسَاوِيَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " ثَبَتَ أَنَّهُ زَكَاةٌ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ طُهْرَةً لِلْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ كَانَ زَكَاةً لِمَالِهِ كَالزَّكَاةِ.

[مسألة:]

قال الشافعي: " فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ زَكَاةِ مَالٍ نَاضٍّ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ زَكَاةِ فِطْرٍ أَوْ خُمُسِ رِكَازٍ أَوْ صَدَقَةِ مَعْدِنٍ أو غيره مما وجب عليه في ماله بكتاب أو سنة أو إجماع عوام المسلمين فمعناه واحد وقسمه واحد وقسم الفيء خلاف هذا فالفيء ما أخذ من مشرك تقوية لأهل دين الله وله موضع غير هذا الموضع ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ كُلَّمَا وَجَبَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِ مِنْ حَقٍّ، إِمَّا بِحُلُولِ الْحَوْلِ كَالْمَوَاشِي وَزَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ أَوْ بِتَكَامُلِ الْمَنْفَعَةِ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ أَوْ بِالِاسْتِفَادَةِ كَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ أَوْ عَنْ رَقَبَةٍ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَمَصْرِفُ جَمِيعِهِ وَاحِدٌ فِي السُّهْمَانِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الآية إلى أَنَّهُ مَا تَجِبُ زَكَاتُهُ بِالْحَوْلِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ أَحْوَالُ زَكَاةٍ فِي كُلِّ حَوْلٍ كَالْمَوَاشِي وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَمَا يَجِبُ زَكَاتُهُ بِتَكَامُلِ الْمَنْفَعَةِ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، إِذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ أَحْوَالٌ لَمْ يُزَكِّهِ إِلَّا الزَّكَاةَ الْأُولَى وَمَا اسْتُفِيدَ مِنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ أَوْ رِكَازٍ زَكَّى فِي كُلِّ حَوْلٍ؛ لِأَنَّهُمَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ يُرَاعَى فِيهَا بَعْدَ الِاسْتِفَادَةِ حُلُولُ الْحَوْلِ، وَخُولِفَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ، فَجَعَلَ أبو حنيفة مَصْرِفَ عُشْرِهَا مَصْرِفَ الْفَيْءِ دُونَ الزَّكَاةِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>