وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " زَادَكُمْ " فَهُوَ دَلِيلُنَا، لِأَنَّهُ زَادَ لَنَا لَا عَلَيْنَا، وَقَوْلُهُمُ الزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى مَحْصُورٍ فَيُقَالُ لَهُمُ النَّوَافِلُ ضَرْبَانِ: مُؤَكَّدَةٌ، وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ، فَالْمُؤَكَّدَةُ مَحْصُورَةُ الْقَدْرِ، كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَالنَّوَافِلِ الْمُوَظَّفَاتِ قَبْلَ الصَّلَوَاتِ وَبَعْدَهَا عَلَى أَنَّ مِنْ أَصِلِهِمْ أَنَّهَا غَيْرُ مَزِيدَةٍ عَلَى شَيْءٍ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ فَرْضًا تُزَادُ عَلَى الْوَظَائِفِ، وَلَا نَفْلًا تُزَادُ عَلَى النَّوَافِلِ فَسَقَطَ مِنْ حَيْثُ أَوْرَدُوهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ بُرَيْدَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا " فَمَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِإِجْمَاعٍ؛ لِأَنَّ تَارِكَ الْوِتْرِ لَا يَكُونُ كَافِرًا خَارِجًا عَنِ الْمِلَّةِ فَاحْتَجْنَا وَإِيَّاهُمْ إِلَى تَأْوِيلٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَنَحْنُ أَقْدَرُ عَلَى تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ، فَنَقُولُ: مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يُوتِرْ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُ سُنَّةٍ، فَلَيْسَ مِنَّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا " وَتَوْقِيرُ الْكَبِيرِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ " فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فعله واستحبابه
والثاني: أن في تخصيص أَهْلِ الْقُرْآنِ بِهِ
وَقَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْأَعْرَابِيِّ: " إِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ، وَلَا لِقَوْمِكَ " دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ سُنَّةً وَنَدْبًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْوِتْرُ حَقٌّ مَسْنُونٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَغْرِبِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهَا صَلَاةٌ سُنَّ لَهَا أَذَانٌ وإقامة، ثم يقال لأبي حنيفة: ما تعم الْبَلْوَى بِهِ لَا يَثْبُتُ عَلَى أَصْلِكَ بِالْقِيَاسِ، وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَيْسَ مَعَكَ فِيهِ تَوَاتُرٌ فَلِمَ أَثْبَتَّ وُجُوبَهُ، وَفِيهِ مُخَالَفَةُ أَصْلِكَ فَإِنْ ذَكَرَ جَوَابًا كَانَ تَوْقِيفًا وَاعْتِذَارًا تَفْصَحُهُ السِّيَرُ - والله أعلم -
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: صَلَاةُ جَمَاعَةٍ مُؤَكَّدَةٍ، لَا أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَهِيَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ، وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَصَلَاةُ مُنْفَرِدَةٍ وَبَعْضُهَا أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، فَأَوْكَدُ ذَلِكَ الْوِتْرُ وَيُشَبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَاةُ التَّهَجُّدِ، ثُمَّ ركعنا الْفَجْرِ، وَلَا أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ أُوجِبْهُمَا، وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالًا مِنْ تَرْكِ جَمِيعِ النَّوَافِلِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute