وَالْفَرْقُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ " إِنْ " مَوْضُوعَةٌ لِلشَّكِّ فِيمَا قَدْ يَكُونُ فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهَا إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشك بالفوات فصارت على التراخي، وإذا مَوْضُوعَةٌ لِلْيَقِينِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّعْجِيلُ فَصَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ.
فَهَذَانِ الْفَرْقَانِ بَيْنَ " إِنْ " وَ " إِذَا " كَانَا عَلَى نَفْيِ فعلٍ فَقَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ، وَإِذَا لَمْ أَتَزَوَّجْ. وَأَمَّا إِذَا كَانَا شَرْطًا فِي إِثْبَاتِ فِعْلٍ، فَقَالَ: إِنْ تَزَوَّجْتُ عليك، وإذا تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ فَهُمَا سَوَاءٌ، فِي أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى وُجِدَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ وَاسْتَوَى فِيهِ " إِنْ " وَ " إِذَا "؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ كَانَ وُجُودُهُ هُوَ الشَّرْطَ الْمُعْتَبَرَ فَاسْتَوَى فِيهِ الْفَوْرُ وَالتَّرَاخِي فَأَمَّا إِذَا جُعِلَا شَرْطًا فِي مُعَاوَضَةِ الْخُلْعِ، فَقَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إِذَا أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ الْعَطِيَّةِ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَسْتَوِي حُكْمُ: " إِنْ " وَ " إِذَا "؛ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ حِكَمُ الْمُعَاوَضَةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِيهَا، وَذَلِكَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ افْتِرَاقُ الْحَرْفَيْنِ وَلَوْ قَالَ: مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ عَلَى التراخي بخلاف إن وإذا، لِأَنَّ لَفْظَةَ مَتَى صَرِيحَةٌ فِي اعْتِبَارِ الْفِعْلِ فَاسْتَوَى فِيهِ حُكْمُ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُهُ فِي يَمِينِهِ هَذِهِ مِنْ بِرٍّ أَوْ حَنِثٍ؟ فَإِنْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا عَلَى الْفَوْرِ فِي قَوْلِهِ: إِذَا لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فِي قَوْلِهِ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. كَانَ بِرُّهُ مُعْتَبَرًا بِوُجُودِ عَقْدِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ عَلَى مُكَافِئَةٍ لَهَا فِي النَّسَبِ وَالْجَمَالِ؟ أَوْ غَيْرِ مُكَافِئَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَبَرُّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا مَنْ يُكَافِئُهَا فِي نَسَبِهَا وَجِمَالِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَ دُونَهَا فِي النَّسَبِ وَالْجَمَالِ لَمْ يَبَرَّ؟ لِأَنَّ قَصْدَهُ بِيَمِينِهِ إِدْخَالُ الْغَيْظِ عَلَيْهَا، وَغَيْظُهَا يَخْتَصُّ بِمَنْ يُكَافِئُهَا، فَأَمَّا مَنْ لَا يُكَافِئُهَا فهو نقص يدخل عليها دُونَهَا، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ حُكْمَ الْأَيْمَانِ مُعْتَبَرٌ بِصَرِيحِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَقَاصِدِ وَالْأَغْرَاضِ، وَالِاسْمُ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ فَاسْتَوَى حُكْمُهُمَا فِي الْبِرِّ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُهُمَا فِي الْحِنْثِ إِذَا قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَنَّهُ مَتَى تَزَوَّجَ عَلَيْهَا مُكَافِئَةً أَوْ غَيْرَ مُكَافِئَةٍ حَنِثَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُهُمَا فِي الْبِرِّ إِذَا قَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَنَّهُ مَتَى تَزَوَّجَ عَلَيْهَا مُكَافِئَةً أَوْ غَيْرَ مُكَافِئَةٍ أَنْ يَبَرَّ، وَمَا اعْتُبِرَ مِنْ إِدْخَالِ الْغَيْظِ عَلَيْهَا، وَلَوْ قُلِبَ عَلَيْهِ بِأَنَّ إِدْخَالَ الْغَيْظِ عَلَيْهَا بِنِكَاحِ غَيْرِ الْمُكَافِئَةِ أَكْثَرُ لَكَانَ أَشْبَهَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِدْخَالُ الْغَيْظِ عَلَيْهَا مُعْتَبَرًا وَمَتَى وُجِدَ الْعَقْدُ اسْتَقَرَّ الْبِرُّ، وَلَمْ يَكُنِ الدُّخُولُ فِيهِ شَرْطًا فِي الْبِرِّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَبَرُّ بِالْعَقْدِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الدُّخُولُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَقْدِ فِي إِدْخَالِ الْغَيْظِ عَلَيْهَا وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرِ الدُّخُولُ فِيهِ إِذَا عُلِّقَ بِالْحِنْثِ كَذَلِكَ لَا يعتبر إذا علق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute