للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْعُرْفِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ مُعْتَبَرَةٌ بِالنَّفَقَاتِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] ثم كانت الكفارات كفارات من غالب الأقوات، فكانت النفقة بِذَلِكَ أَوْلَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَغَالَبُ قُوتِ أَهْلِ الْحِجَازِ التَّمْرُ، وَغَالِبُ قُوتِ أَهْلِ الطَّائِفِ الشَّعِيرُ، وَغَالِبُ قُوتِ أَهْلِ الْيَمَنِ الذَّرَّةُ، وَغَالِبُ قُوتِ أَهْلِ الْعِرَاقِ الْبُرُّ، وَغَالِبُ قُوتِ أَهْلِ طَبَرِسْتَانَ الْأُرْزُ. فَيُنْظَرُ فِي غَالِبِ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِمَا فَتَسْتَحِقُّ نَفَقَتَهَا مِنْهُ، فَإِنِ اخْتَلَفَ قُوتُ بَلَدِهِمَا وَجَبَ لَهَا الْغَالِبُ مِنْ قُوتِ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا دُونَهَا، فَإِنْ كَانَا مِنْ بَلَدَيْنِ يَخْتَلِفُ قُوتُهُمَا نَظَرَ، فَإِنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ اعْتُبِرَ الْغَالِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِ الزَّوْجِ، وَإِنْ نَزَلَ عَلَيْهَا فِي بَلَدِهَا اعْتُبِرَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ لَمْ تَأْلَفِ الزَّوْجَةُ أَكْلَ قُوتِ بَلَدِهِ، قِيلَ: هَذَا حَقُّكِ فَإِنْ شِئْتِ فَأَبْدِلِيهِ بِقُوتِ بَلَدِكِ، وَهَكَذَا لَوِ انْتَقَلَا عَنْ بَلَدِهِمَا إِلَى بَلَدٍ قُوتُهُ مُخَالِفٌ لِقُوتِ بَلَدِهِمَا، لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ الَّذِي انتقلا إليه دون البلد الذي انتقلا إليه، سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَوْ أَدْنَى. لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي وَقْتٍ بَعْدَ وَقْتٍ، فَكَانَ لِكُلِّ وقت حكمه.

[(فصل: القول في صفة النفقة)]

فَأَمَّا صِفَةُ جِنْسِ النَّفَقَةِ. فَهُوَ الْمُدُّ مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ أَوِ الْأُرْزِ أَوِ الذُّرَةِ. دُونَ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَاتُ إِلَّا بَعْدَ طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَبَّ أَكْمَلُ مَنْفَعَةً مِنْ مَطْحُونِهِ وَمَخْبُوزِهِ لِإِمْكَانِ ادِّخَارِهِ وَازْدِرَاعِهِ.

وَالثَّانِي: لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ فِيهَا إِلَّا الْحَبُّ. دُونَ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ، فَإِذَا وَجَبَ لَهَا الْحَبُّ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا أَنْ يَتَوَلَّوْا طَحْنَ أَقْوَاتِهِمْ وَخَبْزَهَا بِأَنْفُسِهِمْ كَأَهْلِ السَّوَادِ، كَانَ مُبَاشَرَةُ طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ عَلَيْهَا دُونَ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ عادت أَمْثَالِهَا بِمُبَاشَرَةِ طَحْنِ أَقْوَاتِهِمْ وَخَبْزِهَا بِأَنْفُسِهِمْ كَانَ الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهَا أُجْرَةَ الطَّحْنِ وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ لَهَا مَنْ يَتَوَلَّى طَحْنَهُ وَخَبْزَهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا أَفْضَى حَقُّهَا إِلَى الْخُبْزِ كَانَ إِيجَابُهُ أَحَقَّ. قِيلَ: لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَدَّخِرَهُ وَتَزْرَعَهُ إِنْ شَاءَتْ، فَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهَا قِيمَةَ الْحَبِّ لَمْ تُجْبَرِ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُولِهَا، وَلَوْ طَلَبَتِ الزَّوْجَةُ الْقِيمَةَ لَمْ يُجْبَرِ الزَّوْجُ عَلَى دَفْعِهَا، وَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ فَفِي جَوَازِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ كَالسَّلَمِ وَكَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ السَّلَمِ، ولمعين بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ، فَأَشْبَهَ الْقُرُوضَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>