فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ فَهُوَ أَنَّهُ كَانَ فِي جَيْشِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحُنَيْنٍ وَأَنْفَذَهُ إِلَى أَوْطَاسَ - وَهُوَ وَادٍ بِقُرْبِ حُنَيْنٍ - حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ فِيهِ قَوْمًا مِنْ هوازن فكن مِنْ جُمْلَةِ جَيْشِهِ، وَمُسْتَحِقِّ الْغَنِيمَةِ فَلِذَلِكَ قَسَمَ لَهُ وَخَالَفَ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَهُوَ: إِنْ صَحَّ مِمَّا لَا يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ اسْتِحْقَاقَ الْغَنِيمَةِ معتبرا بفقوء القتلى وفقؤهم غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الظَّفَرِ بِالْمَدَدِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُهُ بِالْمَدَدِ اللَّاحِقِ بَعْدَ الْقَسْمِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَسْبَابَ الظَّفَرِ مَا تَقَدَّمَتْ أَوْ قَارَبَتْ، وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا تَأَخَّرَتْ لَكَانَتْ بِمَنْ أَقَامَ وَلَمْ يَنْفِرْ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تُمَلَّكُ إِلَّا بِالْقِسْمَةِ: فَهُوَ أَنَّهُ أَصْلٌ لَهُمْ يُخَالِفُهُمْ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي قُرْعَةٍ، وَاحْتِجَاجُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ الْقَرْيَةَ لِلْآخَرِينَ فَنَحْنُ نَجْعَلُهَا لِلْأَوَّلِينَ، وَقَوْلُهُمْ إِنَّ بَيْعَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا يَجُوزُ، فَنَحْنُ نُجَوِّزُهُ إِذَا اخْتَارَ الْغَانِمُ تَمَلُّكَهَا وَنَجْعَلُ بَيْعَهَا اخْتِيَارًا لِتَمَلُّكِهَا فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ بِنَاءً عَلَى أصل ولا استشهاد.
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَيُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ كَمَا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمٌ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْفَارِسَ يُفَضَّلُ فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى الرَّاجِلِ، لِفَضْلِ عَنَائِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ تَفْضِيلِهِ، فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَالِكٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دُونَ أَصْحَابِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُوَافِقٌ عَلَيْهِ، أَنَّ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ لِئَلَّا يُفَضَّلَ فَرَسُهُ عَلَيْهِ، وَلِلرَّاجِلِ وَاحِدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهَا فِي كِتَابِ " قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ " بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَقَدْ رَوَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ.
وَرَوَى يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لِأُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى.
(فَصْلٌ)
: وَلَا فَرْقَ فِي الْخَيْلِ بَيْنَ عِتَاقِهَا وَهِجَانِهَا وَبَيْنَ سَوَابِقِهَا وَبَرَاذِينِهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، سَهْمَيْنِ لَهُمَا، وَسَهْمًا لِفَارِسِهِمَا.