وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ لَحِقَ بِهِمُ الْمَدَدُ وَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ منها وقيل قِسْمَتِهَا شَارَكُوهُمْ فِيهَا، وَإِنْ لَحِقُوا بِهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُشْرِكُوهُمُ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ إِلَى أَوْطَاسَ، فَعَادَ وَقَدْ فَتَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حُنَيْنًا فَأَشْرَكَهُمْ فِي غَنَائِمِهَا.
وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأجناد أن من جاءكم من الأمدادا قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّأَ الْقَتْلَى فَأَعْطُوهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلِأَنَّ الْقُوَّةَ بِالْمَدَدِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الظَّفَرِ فَصَارُوا فِيهَا كَالْمُكْثِرِ وَالْمَهِيبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا بِمَثَابَتِهِمْ فِي الْمَغْنَمِ، وَلِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تُمَلَّكُ عِنْدَهُ إِلَّا بِالْقِسْمَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْعُ سَهْمِهِ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوِ اسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَرْيَةٍ مِنْ بِلَادِهِمْ دَفَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا، وَفَتَحَهَا آخَرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ غَنِيمَةً لِلْآخَرِينَ دُونَ الْأَوَّلِينَ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٤١] فَأَضَافَهَا إِلَى الْغَانِمِينَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهَا لِغَيْرِهِمْ.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعيِدِ بِنِ الْعَاصِ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ فَقَدِمَ أَبَانٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحُنَيْنٍ وَقَدْ فَتَحَهَا فَقَالَ أَبَانٌ اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: " اجْلِسْ يَا أَبَانُ ولم يقسم له "
وروى أبو بكر - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَهُوَ أَثْبَتُ، وَوُقُوفُهُ عَلَيْهِمَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يظهر لهما مخالف؛ ولأن أبا حنيفة وافقها فِي الْمَدَدِ لَوْ كَانُوا أَسْرَى فِي أَيْدِيهِمْ فَأَفْلَتُوا مِنْهُمْ وَلَحِقُوا بِالْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ، فكذلك غير الأسرى ولو لحقوا بهم في الوقعة شاركوهم فَكَذَلِكَ غَيَرُ الْأَسْرَى، وَيَتَحَرَّرُ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وُصُولٌ بَعْدَ الْقُفُولِ فَلَمْ يُشْرَكُوا فِي الْغَنِيمَةِ كَالْأَسْرَى.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيهِ الْأَسْرَى لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيهِ الْمَدَدُ، قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ.