للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ الْقِيَامِ بالشهادة إذا دعي ليشهد أو يكتب)

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قلبه) {قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَالَّذِي أَحْفَظُ عَنْ كُلِّ مَنْ سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ قَدْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ لَا تُكْتَمُ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُحَابَى بِهَا أَحَدٌ وَلَا يُمْنَعَهَا أَحَدٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَثِيقَةٌ تَتِمُّ بِالتَّحَمُّلِ وَتُسْتَوْفَى بِالْأَدَاءِ فَصَارَتْ جَامِعَةً لِلتَّحَمُّلِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْأَدَاءِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَالشَّاهِدُ مَأْمُورٌ بِهَا فِي التَّحَمُّلِ والأداء، قال الله تعلى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] .

وَفِيهِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: إِذَا دُعُوا لِتَحَمُّلِهَا وَإِثْبَاتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ، وَالرَّبِيعِ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: إِذَا دُعُوا لِإِقَامَتِهَا وَأَدَائِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: إِذَا دُعُوا لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ جَمِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَدْبٌ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعَطِيَّةَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.

فَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ فَهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، إِنْ كَثُرَ مَنْ يَتَحَمَّلُ وَيُؤَدِّي كَالْجِهَادِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، إِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ، وَقَدْ يكون فرض التحمل على الكفاية وفرض الأداء عَلَى الْأَعْيَانِ، إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ فِي التَّحَمُّلِ وَقَلَّ عَدَدُهُمْ فِي الْأَدَاءِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>