للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ فِي الْجَامِعِ، كَانَ لَهُ مُلَازَمَةُ الْمُنْكِرِ إِنِ اسْتَحَقَّ تَغْلِيظَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُلَازَمَتُهُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ تَغْلِيظَهَا.

فَلَوْ كَانَتِ الدَّعْوَى تَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يُحْلِفَهُ عَلَى أَحَدِهَا وَيَتَوَقَّفَ عَنْ إِحْلَافِهِ فِيمَا عَدَاهُ جَازَ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُحْلِفَهُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا يَمِينًا يَمِينًا، نُظِرَ: فَإِنْ فَرَّقَهَا فِي الدَّعْوَى جَازَ أَنْ تُفَرَّقَ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِنْ جَمَعَهَا فِي الدَّعْوَى لَمْ يَجُزْ أَنْ تُفَرَّقَ فِي الْأَيْمَانِ.

وَلَوِ اشْتَرَكَ فِي الدَّعْوَى اثْنَانِ فَأَنْكَرَهُمَا وَجَبَ أَنْ يُحْلِفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحِقٌّ لِيَمِينٍ في حقه فلم يجز أن تتبعض يمنيه فِي حَقِّهِمَا.

فَإِنْ رَضِيَا أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً فَفِي جَوَازِهَا لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِوُقُوفِ الْيَمِينِ عَلَى خِيَارِ الْمُدَّعِي.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنَ تَبْعِيضِ الْيَمِينِ؛ فَعَلَى هَذَا إِذَا أَحْلَفَهُ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا وَاسْتَأْنَفَ إِحْلَافَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا مُفْرَدَةً.

وَقَدْ أَحْلَفَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِيَ يَمِينًا وَاحِدَةً فِي حَقِّ شَرِيكَيْنِ فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ عَصْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْحَقُّ دَعْوَى أَحَدِهِمَا صَحِيحَةً فَإِذَا أَحْلَفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا عَلَيْهِ كَانَ صَادِقًا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا.

(فَصْلٌ)

: وَالْفَصْلُ السَّادِسُ فِي حُكْمِ النُّكُولِ.

وَهُوَ أَنْ تَجِبَ عَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَيَمْتَنِعُ مِنْهَا، أَوْ يَقُولُ: قَدْ نَكَلْتُ عَنْهَا أَوْ يَقُولُ: لَسْتُ أَحْلِفُ، فَيَصِيرُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ نَاكِلًا فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَإِنْ خَالَفَنَا فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ نُكُولُهُ رَدَّ الْيَمِينِ على المدعي ليحكم له بِيَمِينِهِ وَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِنُكُولِ خَصْمِهِ.

وَإِذَا صَارَ الْمُنْكِرُ نَاكِلًا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ النُّكُولِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُعْلِمَهُ حُكْمَهُ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، لِيَحْكُمَ لَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ عَرَفَ حُكْمَ النُّكُولِ اسْتَغْنَى الْقَاضِي بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ إِعْلَامِهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ إِنْ أَقَمْتَ عَلَى امْتِنَاعِكَ جَعَلْتُكَ نَاكِلًا.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بِمَاذَا يَسْتَقِرُّ نُكُولُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجِ: يَسْتَقِرُّ نُكُولُهُ بِإِعْلَامِهِ وَلَوْ كَانَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>