أَخٌ لِأُمٍّ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " وبنو الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ " وَلِأَنَّهُمَا قَدِ اسْتَوَيَا فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ وَاخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْإِدْلَاءِ بالأم فصار كالأخوين أحدهما لأب وأم وآخر لِأَبٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ مَنْ زَادَ إِدْلَاءُهُ بِالْأُمِّ عَلَى مَنْ تَفَرَّدَ بِالْأَبِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١٢] فَأَوْجَبَ هَذَا الظَّاهِرُ أَن لا يزاد بِهَذِهِ الْأُخوَّةِ عَلَى السُّدُسِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُسْتَحِقَّ بِهِ الْفَرْضَ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقَوَّى بِهِ التَّعْصِيبُ بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ كَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا زَوْجٌ، وَلِأَنَّ وِلَادَةَ الْأُمِّ تُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إما استحقاقا بالفرض أو تقديما بالجميع ولا توجب كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَرْضٍ وَتَقْدِيمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِخْوَةَ الْمُتَفَرِّقِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا اخْتَصَّ الْإِخْوَةُ للأم بالفرض واختص الإخوة للأب والأم بالتقديم فِي الْبَاقِي عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلَمْ يَجُزْ أن يشاركوا باقيهم الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لِتَنَافِي اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِي الْإِدْلَاءِ بالأم وكذلك ابن العم إذا كان أخا لأم لما استحق بأمه فرضا لم يستحق بها تقديمه عَلَى ابْنِ الْعَمِّ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ الرَّحِمِ وَالتَّعْصِيبِ إِذَا كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أوجَبَ التَّقْدِيمُ كَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي تَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ لَمْ يُوجِبَا التَّقْدِيمَ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ إِذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ فَيُعَصِّبُهُ مِنْ جِهَةِ الْإِدْلَاءِ بِالْجَدِّ وَرَحِمِهِ بِوِلَادَةِ الأم فلم يوجب التقدم، وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْإِخْوَةِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ " أَعْيَانُ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ " فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا فِي الْبَاقِي بَعْدَ السدس سواء وإنما ذلك فِي الْمَالِ فَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أن ابن الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَرِثْ بِأُمِّهِ مِنَ الْوَلَاءِ فَرْضًا اسْتَحَقَّ بِهِ تَقْدِيمًا لِأَنَّ الْإِدْلَاءَ بِالْأُمِّ إِذَا انْضَمَّ إِلَى التَّعْصِيبِ أوجَبَ قُوَّةً عَلَى مُجَرَّدِ التَّعْصِيبِ إِمَّا فِي فَرْضٍ أَوْ تَقْدِيمٍ فَلَمَّا سَقَطَ الْفَرْضُ فِي الْوَلَاءِ ثَبَتَ التَّقْدِيمُ.
فَصْلٌ:
وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَالُ بَيْنَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وبين أخ الأم الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمٍّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْصِيبِ وَالْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ الَّذِي ليس بابن عم ولا ابن الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ وَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمٍّ وَلِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ الَّذِي لَيْسَ بِابْنِ عَمٍّ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثِ بين الثلاثة بَيْنَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمٍّ وَابْنُ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَابْنَيْ عَمِّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَعَلَى قياس قول ابْنِ مَسْعُودٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ نِصْفِ الْبِنْتِ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ لِأَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاعَةِ إِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ البنت بينهما لأن البنت تسقط بورثته بالأم ولا تسقط ميراثه بِالتَّعْصِيبِ كَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute