للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّعْوَةِ، وَقِلَّةِ ذُنُوبِهِمْ، وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي لِقَوْمِهِ فَمَا أُسْقِيَ، فَقَالَ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَلْيَرْجِعْ فَانْصَرَفُوا كُلُّهُمْ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا، فَالْتَفَتَ فَرَآهُ أَعْوَرَ، فَقَالَ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلِي، قَالَ قَدْ سَمِعْتُ وَإِنَّهُ لَا ذنب لي إلا واحد، نَظَرْتُ إِلَى امْرَأَةٍ فَقَلَعَتْ عَيْنِي هَذِهِ، فَاسْتَسْقَى به فسقي.

(فَصْلٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَلَا آمُرُ بِإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ: إِخْرَاجُهُمْ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَرِدِ السُّنَّةُ بِإِخْرَاجِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَتَأَذَّى بِالْجَدْبِ فَكَانُوا كَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً قد وقعت على ظهرها، فرفعت يدها وهو تَقُولُ اللَّهُمَّ نَحْنُ مِنْ خَلْقِكَ فَارْزُقْنَا أَوْ أهلكنا، فسقوا فقال للقوم ارْجِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ بِغَيْرِكُمْ.

وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا الْأَوْلَى تَرْكُ الْبَهَائِمِ، وَإِخْرَاجُهَا مَكْرُوهٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ، وَاشْتِغَالِ النَّاسِ بِأَصْوَاتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ مِنْ غير أهل التكليف.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وأكره إخراج من يخالف الْإِسْلَامَ لِلِاسْتِسْقَاءِ فِي مَوْضِعِ مُسْتَسْقَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ لَمْ أَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا كَرِهْنَا إِخْرَاجَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الذي آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة: ٥١) وفي إخراجهم معنا رضى به وتولي لَهُمْ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ عُصَاةٌ لَا يُرْجَى لَهُمْ إِجَابَةُ دَعَوْتِهِمْ، وَرُبَّمَا رُدَّتْ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ بِمُخَالَطَتِهِمْ وَالسُّكُونِ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ خَرَجُوا إِلَى بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ لَمْ يُمْنَعُوا، لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَبُ رِزْقٍ وَرَجَاءُ فَضْلٍ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ وَاسِعٌ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي يَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي يخرج فيه المسلمون، لأن لا تَقَعَ بَيْنَهُمُ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ خَرَجُوا فِيهِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَهُمْ وَمِنْهُمْ من تركهم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَأْمُرُ الْإِمَامُ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثًا وَيَخْرُجُوا مِنَ الْمَظَالِمِ وَيَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ عز وجل بِمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ بِهِمْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِلَى أَوْسَعِ مَا يَجِدُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا أَرَادَ الِاسْتِسْقَاءَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثًا وَيَخْرُجُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِمَّا صِيَامًا وَهُوَ أَوْلَى، وَإِمَّا مُفْطِرِينَ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>