وَالدَّلِيلُ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [البقرة: ٢٨٢] وَهَذَا الْخِطَابُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْأَحْرَارِ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُشْهِدُونَ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَوْلُهُ {ذَوَيْ عَدْلٍ منكم} يَبْقَى دُخُولُ الْعَبِيدِ فِيهِمْ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمُفَاضَلَةِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ فِيهَا كَالْمَرْأَتَيْنِ، فَمَنَعَتِ الْمُفَاضَلَةُ، مِنْ مُسَاوَاةِ الْعَبْدِ فِيهَا لِلْحُرِّ كَالْقَضَاءِ فِي الْوِلَايَاتِ، وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، فِي الْعِبَادَاتِ، وَكَالتَّوَارُثِ فِي الْمُمْتَلَكَاتِ، وَلِأَنَّ نَقْصَ الرِّقِّ يَمْنَعُ كَمَالَ الشَّهَادَةِ لِوُرُودِهِ مِنْ جِهَةِ الْكُفْرِ الْمَانِعِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ من قول الله تعالى {من رجالكم} فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَخْصِيصُ عُمُومِهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، دُونَ أَدَائِهَا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اعْتِبَارِ شَهَادَتِهِ بِقَبُولِ خَبَرِهِ، فَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ أَوْسَعُ حُكْمًا مِنَ الشَّهَادَةِ لِقَبُولِ الْوَاحِدِ فِي الْخَبَرِ، وَانْتِقَالِهِ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ في الشهادة، فكذلك في الرق.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: وقوله {شهيدين من رجالكم} يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَإِنْ قَالَ أَجَازَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّهَا ". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبُلُوغَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بِحَالٍ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ مِنْ مَالٍ، وَلَا جِرَاحٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ دُونَ غَيْرِهَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا، فَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ تُقْبَلْ.
وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.
وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَتَهُمْ فِي الْمُوَضِّحَةِ، وَالسِّنِّ فَمَا دُونَ، وَلَمْ يُجِزْهَا فِيمَا زَادَ، احْتِجَاجًا بِقَضَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِشَهَادَتِهِمْ فِي الْجِرَاحِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَخَالَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَصَارَ النَّاسُ إِلَى قَضَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الضَّرُورَةِ، كَمَا أُجِيزَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي الْوِلَادَةِ، لِأَنَّهَا حَالَةٌ لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، كَذَلِكَ اجْتِمَاعُ الصِّبْيَانِ فِي لَعِبِهِمْ، وَمَا يَتَعَاطَوْنَ مِنْ رَمْيِهِمْ لَا يَكَادُ يَحْضُرُهُمُ الرِّجَالُ، فَجَازَ لِلضَّرُورَةِ أَنْ تُقْبَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute