للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى إِنْ لَمْ يفِدْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَدْعِيَهُمْ لِلشَّهَادَةِ، وَلَا يَنْبَغِيَ لَهُمْ أَنْ يَبْدَأُوا بِهَا إِلَّا بَعْدَ اسْتِدْعَائِهِمْ لَهَا.

وَالَّذِي يَجِبُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْمَشْهُودُ له القاضي في إحضاء شُهُودِهِ.

فَإِذَا أَذِنَ لَهُ أَحْضَرَهُمْ، وَقَالَ لَهُمُ الْقَاضِي بِمَ تَشْهَدُونَ؟ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُمُ اشْهَدُوا، فَيَكُونُ أَمْرًا.

وَيَكُونُ الْقَاضِي فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِلشَّاهِدَيْنِ فَيَتَقَدَّمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِالشَّهَادَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ الثَّانِي إِلَى إِذْنٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا فَيَبْدَأُ بِالشَّهَادَةِ، وَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنٍ آخَرَ.

وَلَوْ بَدَأَ الْأَوَّلُ فَاسْتَوْفَى الشَّهَادَةَ، وَقَالَ الثَّانِي: أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ، لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا لَفْظًا كَالْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أداء وليس موضع حكاية.

[(فصل)]

: والقسم الثَّالِثُ آدَابُ الْقُضَاةِ مَعَ الْخُصُومِ أَنْ يَبْدَأَ بِالنَّظَرِ بَيْنَ مَنْ سَبَقَ مِنَ الْخُصُومِ، وَلَا يُقَدِّمُ مَسْبُوقًا إِلَّا بِاخْتِيَارِ السَّابِقِ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَسْتَدْعِي أَحَدَهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَتَظْهَرُ بِهِ مُمَايَلَةُ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَضْعُفُ فِيهِ نَفْسُ الْمُتَأَخِّرِ، بَلْ يُسَوِّي فِي الْمَدْخَلِ بَيْنَ الشَّرِيفِ وَالْمَشْرُوفِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ.

فَإِذَا دَخَلَا عَلَيْهِ سَوَّى بَيْنَهُمَا، فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ إِنْ أَقْبَلَ كَانَ إِقْبَالُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَعْرَضَ كَانَ إِعْرَاضُهُ عَنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يقبل على أحدهما، ويعرض على الْآخَرِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ كَانَ كَلَامُهُ لَهُمَا، وَإِنْ أَمْسَكَ كَانَ إِمْسَاكُهُ عَنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّمَ أَحَدَهُمَا وَيُمْسِكَ عَنِ الْآخَرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُمَايَلًا لِأَحَدِهِمَا.

وَلَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْهُمَا وَهُمَا قَائِمَانِ، حَتَّى يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ، تِجَاهَ وَجْهِهِ، رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي ".

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُ الْخُصُومِ عِنْدَ الْقَاضِي أَبْعَدَ مِنْ مَجَالِسِ غَيْرِهِمْ، لِيَتَمَيَّزَ بِهِ الْخُصُومُ مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَيُسَوِّي فِي الْمَجْلِسِ بَيْنَ الشَّرِيفِ وَالْمَشْرُوفِ، وَبَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، كَمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الدخول.

<<  <  ج: ص:  >  >>