للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ الشُّهُودُ فِي مَلَابِسِهِمْ بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا لِمَنْ يُشْهِدُهُمْ وَيَسْتَشْهِدُهُمْ، كَمَا تَمَيَّزَ الْقَاضِي عَنْهُمْ.

وَيُسَلِّمُوا عَلَى الْقَاضِي بِلَفْظِ الرِّيَاسَةِ عَلَيْهِمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمُ الْقَاضِي مُجِيبًا، أَوْ مُبْتَدِئًا، عَلَى تَمَاثُلٍ وَتَفَاضُلٍ.

وَيُقَدِّمُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْخِطَابِ، بِحَسْبَ مَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ فَضْلٍ، بِخِلَافِ الْخُصُومِ، الَّذِي تَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ تَفَاضَلُوا.

فَإِنْ حَضَرُوهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، جَلَسُوا فِي مَقَاعِدِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ فِي مَجْلِسِهِ، وَرَتَّبَهُمْ فِيهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَقَطَعَ تَنَافُسَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّ التَّنَافُسَ مُوهِنٌ لِلْعَدَالَةِ.

فَإِنْ تَنَافَسُوا فِي التَّقَدُّمِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ قَدْحًا فِي عَدَالَتِهِمْ كَالتَّمَانُعِ فِي أَدَائِهَا.

وَإِنْ تَنَافَسُوا فِي التَّقَدُّمِ فِي الْجُلُوسِ لَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِمْ، مَا لَمْ يَتَنَابَذُوا.

وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَنْ يُحَادِثَهُمُ الْقَاضِي وَيُحَادِثُوهُ، وَيُؤَانِسَهُمْ وَيُؤَانِسُوهُ بِمَا لَا تَنْخَرِقُ بِهِ الْحِشْمَةُ، وَلَا تَزُولُ مَعَهُ الصِّيَانَةُ.

فَأَمَّا حُضُورُهُمْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ مِنَ التَّحَفُّظِ وَالِانْقِبَاضِ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِهِ.

فَإِنْ أَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ يُفْرِدَهُمْ عَنْ مَجْلِسِهِ، فِي مَوْضِعٍ مُعْتَزِلٍ لِيَسْتَدْعُوا مِنْهُ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ كَانَ أَوْلَى، وَكَانُوا مِنْهُ بِمَنْظَرٍ وَمَسْمَعٍ وَخُصَّ مِنْهُمْ شَاهِدَيْنِ بِمَجْلِسِهِ لِيَشْهَدَا مَا يَجْرِي مِنَ الدَّعَاوَى وَالْأَحْكَامِ.

وَإِنْ أَحْضَرَهُمْ جَمِيعًا فِي مَجْلِسِهِ جَازَ، وَكَانَتْ مَيْمَنَةُ مَجْلِسِهِ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ مَيْسَرَتِهِ، فَإِنِ افْتَرَقُوا فِي الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ جَازَ وَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعُهُمْ أَوْلَى

وَيَكُونُ جُلُوسُ الْكَاتِبِ فِي مَجْلِسِهِ بِحَيْثُ يُوَاجِهُ الْقَاضِي، وَيُشَاهِدُ الْخُصُومَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ سَمَاعِ كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ وَجُلُوسُهُ فِي الْمَيْسَرَةِ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْمَيْمَنَةِ، لِأَنَّ حَاجَةَ الْقَاضِي فِي الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْهَا مَعَ الشُّهُودِ، وَإِقْبَالُهُ عَلَى مَيْسَرَتِهِ أَسْهَلُ عَلَيْهِ مِنْ إِقْبَالِهِ عَلَى مَيْمَنَتِهِ.

وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُفَّ عَنْ مُحَادَثَةِ الشُّهُودِ، وَيَكُفُّوا عَنْ مُحَادَثَتِهِ، وَيَكُونُ كَلَامُ الْقَاضِي لَهُمْ مَقْصُورًا عَلَى الْإِذْنِ فِي الشَّهَادَةِ، وَكَلَامُهُمْ لَهُ مَقْصُورًا عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَغُضُّوا عَنْهُ أَبْصَارَهُمْ.

وَلَا يُلَقِّنُهُمْ شَهَادَةً، وَلَا يَتَعَنَّتُهُمْ فِيهَا، وَلَا يَسْأَلُهُمْ عَنْ سَبَبِ تَحَمُّلِهَا.

فَإِنْ أَخْبَرُوهُ بِسَبَبِ التَّحَمُّلِ كَانَ أَوْلَى إِنْ تَعَلَّقَ بِهِ فَضْلُ بَيَانٍ وَزِيَادَةُ اسْتِظْهَار،

<<  <  ج: ص:  >  >>