[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَبَّى بِحَجٍّ وَهُوَ يُرِيدُ عُمْرَةً، فَهِيَ عمرةٌ، وَإِنَ لَبَّى بعمرةٍ وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا فَهُوَ حَجٌّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي إِحْرَامِهِ عَلَى نِيَّتِهِ دُونَ تَلْبِيَتِهِ فَإِذَا نَوَى حَجًّا وَلَبَّى بِعُمْرَةٍ كَانَ حَجًّا، وَلَوْ نَوَى عُمْرَةً وَلَبَّى بِحَجٍّ كَانَتْ عُمْرَةً، وَلَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا، وَلَبَّى بِهِمَا انْعَقَدَ مَا نَوَى، وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ، إِلَّا دَاوُدَ فَإِنَّهُ شَذَّ بِمَذْهَبِهِ، وَقَالَ: الْمُعَوَّلُ عَلَى لَفْظِهِ دُونَ نِيَّتِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ". فَلِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى النِّيَّةِ دُونَ اللَّفْظِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلَفَّظَ وَلَمْ يَنْوِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَلَوْ نَوَى وَلَمْ يتلفظ كان محرماً، فوجب، إذا اختلفت بنيته ولفظه أن يحكم بنيته دون لفظ.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ لِمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا إِحْرَامًا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِفَقْدِ ما انعقد به الإحرام وهو النية، وحتى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّلْبِيَةَ لِلْإِحْلَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِحْرَامِ، كَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَلَمْ يَكْرَهِ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَضِقْ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَقِيَ رُكْبَانًا لِسَالِحِينَ مُحْرِمِينَ فَلَبَّوْا فَلَبَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وهو داخل الكوفة.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ لَبَّى يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَهُ الْخَيَارُ أَيُّهُمَا شَاءَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِلْإِحْرَامِ حَالَانِ، حَالُ تَقْيِيدٍ وَحَالُ إِطْلَاقٍ.
فَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَمَّا أَحْرَمَ بِهِ، وَلَا أَنْ يُبَدِّلَ نُسُكًا بِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فهو أن ينوي إحراماً موقوفاً لا يقيده بِحَجٍّ وَلَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَصْرِفُهُ فِيمَا بَعْدُ فِيمَا شَاءَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَجَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلْ إِحْرَامَهُ عُمْرَةً، وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا، وَلَبَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو موسى الأشعري رضي الله عنهما باليمين وَقَالَا عِنْدَ تَلْبِيَتِهِمَا: إِهْلَالٌ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَمَرَهُمَا بِالْمُقَامِ عَلَى إِحْرَامِهِمَا وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ من سقايته فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute