للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الفصل الأول في مقدار النفقة)

فَأَمَّا مِقْدَارُهَا. فَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالتَّوَسُّطِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ مُخْتَلِفًا لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَأَنْ يُعْتَبَرَ بِأَصْلٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذَ الْمِقْدَارُ مِنْهُ، فَكَانَ أَوْلَى الْأُصُولِ بِهَا الْكَفَّارَاتُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ طَعَامٌ يُقْصَدُ بِهِ سَدُّ الْجَوْعَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَعَامٌ يَسْتَقِرُّ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ. ثُمَّ وَجَدْنَا أَكْثَرَ الطَّعَامِ الْمُقَدَّرِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِدْيَةَ الْأَذَى قُدِّرَ فِيهَا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ فَجَعَلْنَاهُ أَصْلًا لِنَفَقَةِ الْمُوسِرِ، فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ لِنَفَقَةِ زوجته في يَوْمٍ مُدَّيْنِ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَقْتَاتُهُ الْإِنْسَانُ فِي الْأَغْلَبِ، وَوَجَدْنَا أَقَلَّ الطَّعَامِ الْمُقَدَّرِ فِي الْكَفَّارَاتِ كَفَّارَةَ الْوَطْءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ. فَجَعَلْنَاهُ أَصْلًا لِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ لِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا، وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقْتَاتُهُ الْإِنْسَانُ فِي الْأَغْلَبِ، ثُمَّ وَجَدْنَا الْمُتَوَسِّطَ يَزِيدُ عَلَى حَالِ الْمُقْتِرِ وَيَنْقُصُ عَنْ حَالِ الْمُوسِرِ. فَلَمْ نَعْتَبِرْهُ بِالْمُعْسِرِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى الزَّوْجَةِ مِنْ حَيْفِ النُّقْصَانِ.

وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ بِالْمُوسِرِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ حَيْفِ الزِّيَادَةِ فَعَامَلْنَاهُ بِالتَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مُدًّا وَنِصْفًا، لِأَنَّهُ نِصْفُ نَفَقَةِ مُوسِرٍ وَنِصْفُ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ.

فَأَمَّا الْمُوسِرُ: فَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحَقِّ كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ كَسْبِهِ لَا مِنْ أَصْلِ مَالِهِ.

وَأَمَّا الْمُعْسِرُ: فَهُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ كَسْبِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِلَّا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا كَانَتْ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ لَا مِنْ كَسْبِهِ.

وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ: فَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ كَسْبِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نَفَقَةَ الْمُتَوَسِّطِينَ. فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا كَانَتْ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا فَضُلَ مِنْ كَسْبِهِ. فَيَكُونُ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ بِالْكَسْبِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِأَصْلِ الْمَالِ، كَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَدَّرَ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ شِبَعَهَا أَوْ كَانَ زَائِدًا أَوْ مُقَصِّرًا، فَإِنْ زَادَ عَلَى شِبَعِهَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِلْكًا لَهَا، وَإِنْ نَقَصَ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى التَّشَبُّعِ، بِهِ كَانَ الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُتَمِّمَ لَهَا قَدْرَ شِبَعِهَا وَبَيْنَ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنَ اكْتِسَابِهِ. فَأَيُّهُمَا فَعَلَ فَلَا خِيَارَ لَهَا. فَإِنْ مَكَّنَهَا فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى اكْتِسَابِ كِفَايَتِهَا صارت من أهل الصدقات تأخذ د باقي كفايتها من الزكوات والكفارات.

[( [فصل: القول في جنس النفقة] )]

وَأَمَّا جِنْسُ النَّفَقَةِ. فَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِمَا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>