للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَرَّاحُ أَبُو سِنَانٍ، فَقَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ مَعَ قَوْمِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ في قصة مشهورة. فما ورد وَلَا رُدُّوا.

وَأَمَّا إِنْكَارُ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَانَ لَهُ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ رَأْيٌ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُحَدِّثَ، وَلَا يَقْبَلَ حَدِيثَهُ إِلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ وَقَالَ: مَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا اسْتَحْلَفْتُهُ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ.

وَهَذَا مَذْهَبٌ لَا يَقُولُ بِهِ الْفُقَهَاءُ.

وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَلَمْ يَقْدَحْ فِيهِ إِلَّا بِأَنَّهُ وَرَدَ مِنَ الْكُوفَةِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَدْحٍ، لِأَنَّهَا مِنْ قَضَايَا رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْقَبَائِلِ الَّتِي انْتَشَرَ أَهْلُهَا فَصَارُوا إِلَى الْكُوفَةِ فَرَوَوْهُ بِهَا ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرَ صَحِيحٍ، فَالْمَهْرُ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَإِنْ صَحَّ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا.

فَذَهَبَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ إِلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ.

وَذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ مَعَ صِحَّتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ أن يكون وليها فوض نكاحها فَلَمْ يَصِحَّ التَّفْوِيضُ، أَوْ تَكُونَ مُفَوَّضَةَ الْمَهْرِ دُونَ الْبُضْعِ، فَإِنْ فُرِضَ لَهَا مَهْرٌ مَجْهُولٌ فَلِاحْتِمَالِهِ مَعَ الصِّحَّةِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَوْتِ بِالدُّخُولِ: فَفِي الدُّخُولِ إِتْلَافٌ يَجِبُ بِهِ الْغُرْمُ بِخِلَافِ الْمَوْتِ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّفْوِيضِ بِالْمُسَمَّى: فَالْمُسَمَّى يَجِبُ بِالطَّلَاقِ نِصْفُهُ فَكَمَلَ بِالْمَوْتِ. وَالْمُفَوَّضَةُ لَمْ يَجِبْ لَهَا بِالطَّلَاقِ نِصْفُهُ، فَلَمْ يَكْمُلْ لَهَا بِالْمَوْتِ جَمِيعُهُ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَهْرِ بِالْعِدَّةِ: فَقَدْ تَجِبُ الْعِدَّةُ بِإِصَابَةِ السَّفِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَهْرٌ، فَكَذَلِكَ الْمَوْتُ فِي الْمُفَوَّضَةِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً، أَوْ ذِمِّيَّةً، فِي أَنَّ الْمَهْرَ إِنْ وَجَبَ لِلْمُسْلِمَةِ، وَجَبَ لِلذِّمِّيَّةِ. وَإِنْ سَقَطَ لِلْمُسْلِمَةِ سَقَطَ لِلذِّمِّيَّةِ.

وقال أبو حنيفة: أوجب المهر للمسلمة، وأسقط لِلذِّمِّيَّةِ. وَجَعَلَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ ثُبُوتَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُؤَاخَذُونَ بِحُقُوقِ اللَّهِ، وَيُؤَاخَذُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ. فَلِذَلِكَ سَقَطَ مَهْرُ الذِّمِّيَّةِ، لِسُقُوطِهِ مِنَ الْعَقْدِ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمُسْلِمَةِ لِوُجُوبِهِ فِي الْعَقْدِ.

وَهَذَا فَاسِدٌ، بَلِ الْمَهْرُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالطَّلَبِ، وَسُقُوطِهِ بِالْعَفْوِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>