وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ إنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْعَارِيَةُ مُطْلَقَةَ تُرِكَ وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةٍ قُلِعَ بَعْدَهَا فَرْقًا بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَدَّرَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُدَّةِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مُقِرٌّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَلْعِ إِذَا بَذَلَ الْأُجْرَةَ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنَ الْعَارِيَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ لِعِرْقٍ ظالمٍ حَقٌّ وَالْمُسْتَعِيرُ لَيْسَ بِظَالِمٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْقَلْعِ كَالظَّالِمِ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ ارْتِفَاقٌ وَمَعُونَةٌ فَلَوْ أَوْجَبَتِ الْإِضْرَارَ بِالْقَلْعِ لَخَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الْإِرْفَاقِ إِلَى حُكْمِ الْعُدْوَانِ وَالضَّرَرِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ مُقَرٌّ فَإِقْرَارِهِ مَشْرُوطٌ بِبَذْلِ الْأُجْرَةِ وَإِقَامَةِ الْمُعِيرِ عَلَى الْمَبِيعِ مِنْ بَذْلِ الْقِيمَةِ فَصَارَ إِقْرَارُهُ مُسْتَحَقًّا بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فَإِنْ أَجَابَ الْمُعِيرُ مِنْ بَعْدُ إِلَى بَذْلِ الْقِيمَةِ أَوِ امْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ بَذْلِ الْأُجْرَةِ أُجْبِرَ عَلَى الْقَلْعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْخِلَ الضَّرَرَ عَلَى الْمُعِيرِ بِتَفْوِيتِ الْأُجْرَةِ وَمَا اسْتَدَامَ الشَّرْطَانِ وَجَبَ الْإِقْرَارُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَعِيرِ مَنْعُ الْمُعِيرِ مِنْ دُخُولِ أَرْضِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيلًا بِغَرْسِهِ وَبِنَائِهِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَأْخُوذَةٌ عَلَى إِقْرَارِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَأَمَّا البياض الذي أَثْنَائه فَلَيْسَ بِمَشْغُولٍ بِمِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُ الْمُعِيرِ مِنْهُ وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ الْأُجْرَةُ عَنْهُ. إِلَّا أَنْ يُجِيبَ إِلَى إِجَارَتِهَا طَوْعًا بِمُسَمَّى رَضِيَاهُ فَيَكُونُ كَمَنْ أَجَّرَ أَرْضَهُ مُخْتَارًا فَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ دُخُولَ الْأَرْضِ لِيَصِلَ إِلَى غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَسْتَحِقُّ الدُّخُولَ إِلَّا بِرِضَا الْمُعِيرِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ التَّرْكِ لَا يُوجِبُ التَّصَرُّفُ فِي الْأَرْضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ دُخُولَ الْأَرْضِ لِيَصِلَ إِلَى غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ فِي مُرَاعَاتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ وَيُجْبَرُ الْمُعِيرُ عَلَى تَمْكِينِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ إِذَنٌ بِهِ وَبِمَنَافِعِهِ فَإِنْ مَاتَ الْغَرْسُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِعَادَةُ بَدَلِهِ إِلَّا بِاسْتِحْدَاثِ عَارِيَةٍ بَدَلَهُ.
فَصْلٌ
: فَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَعِيرُ بَيْعَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُعِيرِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ.
والوجه الثاني: أن يبيعه لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مُسْتَعِيرٍ وَتَرْكُ مَا اشْتَرَاهُ غَيْرُ مُسْتَدِيمٍ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مَتَى بَذَلَ الْقِيمَةَ اسْتَحَقَّ بِهَا أَخْذَ الْغَرْسِ أَوْ قَلْعَهُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُسْتَعِيرِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا لِرَجُلٍ فَنَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ نَوًى، فَصَارَ غَرْسًا فَهُوَ لِمَالِكِ الْبَذْرِ وَالنَّوَى لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَهَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُؤَاخِذَ الْمَالِكَ بِقَلْعِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ قَلْعُهُ لِأَنَّ مَا نَبَتَ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ إِذَا بُذِلَتِ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ مَالِكَهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ.