للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا قَرَعَتْ يَحْكُمُ بِهَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ فَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ اكْتَرَيْتُهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ الرَّاكِبُ إِلَى بَغْدَادَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ أَقَامَا على ذك بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاكِبِ لِأَنَّهَا أَزْيَدُ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ اكْتَرَيْتُهَا بِعِشْرِينَ وَقَالَ الرَّاكِبُ بِعَشَرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا أَزْيَدُ.

وَهَذَا مَرْدُودٌ بِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَعًا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَسْتَوِيَا فِي التَّحَالُفِ.

فَإِذَا اخْتَلَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا إِمَّا بِالتَّحَالُفِ أَوْ بِالْفَسْخِ الْوَاقِعِ بَعْدَ التَّحَالُفِ عَلَى مَا مَضَى فِي الْبُيُوعِ نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنَ الْمُدَّةِ شَيْءٌ تَرَادَّا الْكِرَاءَ وَالْمكري، وإن مضت المدى الْتَزَمَ الْمُكْتَرِي أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَاسْتَرْجَعَ الْمُسَمَّى، وَسَوَاءٌ كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُكْرِي أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا قِيمَةُ مُتْلِفٍ.

فَصْلٌ

: وَلَيْسَ لِمُؤَجّرِ الْأَرْضِ أَنْ يَحْتَبِسَ الْأَرْضَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى دَفْعِ الْأُجْرَةِ، وَلَا لِلْحَمَّالِ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتُؤْجِرَ عَلَى حَمْلِهِ مِنَ الْمَتَاعِ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ وَلَيْسَ بِرَهْنٍ، فَأَمَّا الصَّانِعُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى عَمَلٍ مِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ صِيَاغَةٍ أَوْ صَبْغٍ هَلْ لَهُ احْتِبَاسُ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْعَمَلِ عَلَى أُجْرَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَاكَ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَالثَّانِي: لَهُ ذَاكَ لِأَنَّ عَمَلَهُ مِلْكٌ لَهُ كَالْبَائِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ بكراءٍ وَقَالَ الْمُزَارِعُ عاريةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَقْلَعُ الزَّارِعُ زَرْعَهُ وَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ مِثْلِهِ إِلَى يَوْمِ قَلْعِ زَرْعِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي إِبَانِ الزَّرْعِ أَوْ غَيْرِهِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَةِ فِي رَاكِبِ الدَّابَّةِ يَقُولُ أَعَرْتَنِيهَا وَيَقُولُ بَلْ أَكْرَيْتُكَهَا إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْغَسَّالِ يَقُولُ صَاحِبُ الثَّوْبِ يغر أجرةٍ وَيَقُولُ الْغسالُ بأجرةٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ وَأَوْلَى بِقَوْلِهِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ في كتاب المزارعة. وقد بينه فِي كِتَابِ الْعَارِيَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَةِ مُسْتَوْفَاةً وَلَكِنْ نُشِيرُ إِلَيْهَا لِمَكَانِ إِعَادَتِهَا، فَإِذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا فَقَالَ رَبُّهَا بِأُجْرَةٍ وَقَالَ زَارِعُهَا عَارِيَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ دُونَ الزَّارِعِ وَقَالَ فِي الدَّابَّةِ إِذَا اخْتَلَفَ رَبُّهَا وَالرَّاكِبُ فَقَالَ رَبُّهَا بِأُجْرَةٍ وَقَالَ رَاكِبُهَا عَارِيَةٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاكِبِ، دُونَ رَبِّهَا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا يَنْقُلُونَ جَوَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>