للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقاسم وبين من لم يقاسم لأنه إذا باع مشاعاً باع غير متجزئ فيكون شريكه أحق به لأن حقه شائعٌ فيه وعليه في الداخل سوء مشاركةٍ ومؤنة مقاسمةٍ وليس كذلك المقسوم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الشُّفْعَةُ فَفِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دَارَهُ أَتَاهُ جَارُهُ أَوْ شَرِيكُهُ فَشَفَعَ إِلَيْهِ فِيمَا بَاعَ فَشَفَّعَهُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى مِمَّنْ بَعُدَ سَبَبُهُ. فَسُمِّيَتْ شُفْعَةً وَسُمِّيَ طَالِبُهَا شَفِيعًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ قَالَهُ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ طَالِبَهَا جَاءَ تَالِيًا لِلْمُشْتَرِي فَكَانَ ثَانِيًا بَعْدَ أَوَّلٍ فَسُمِّيَ شَفِيعًا لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ شَفْعٌ وَالْوَاحِدَ وِتْرٌ وَسُمِّيَ الطَّلَبُ شُفْعَةً.

فَصْلٌ

: وَالْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنِ الْكَافَّةِ مِنَ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ فَإِنَّهُمَا أَبْطَلَاهَا رَدًّا لِلْإِجْمَاعِ، وَمَنْعًا مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَتَمَسَّكَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَحِلُّ مَالُ امرئٍ مسلمٍ إِلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنْهُ ".

وَهَذَا خَطَأٌ لِفُحْشٍ مِنْ قَائِلِهِ لِأَنَّ مَا رُوِيَ فِي الشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا فَالْعَمَلُ بِهِ مُسْتَفِيضٌ يَصِيرُ بِهِ الْخَبَرُ كَالْمُتَوَاتِرِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ مُنْعَقِدٌ وَالْعِلْمُ بِكَوْنِهِ شَرْعًا وَاقِعًا وَلَيْسَ فِي التَّمَسُّكِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَحِلُّ مَالُ امرئٍ مسلمٍ إِلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنْهُ " مَا يَمْنَعُ مِنَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعَاوِضُ عَلَيْهِمَا بِمَا بَذَلَهُ فَيَصِلُ إِلَيْهِ ولا يستحل منه.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُ الشُّفْعَةِ فَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ فِي عِرَاصِ الْأَرَضِينَ وَيَكُونُ مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ منها مشاعاً كانت الشفعة فيه على قولين مَنْ أَوْجَبَهَا إِجْمَاعًا، وَإِنِ الْمَبِيعُ مَحُوزًا فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَهْلُ الْحَرَمَيْنِ. وَقَالَ أبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ وَسُفْيَانُ والثوري: إِنَّ شُفْعَةَ الْمَحُوزَةِ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْجَارِ وَلَيْسَ لَهُمْ فِيهَا سَلَفٌ وَرُبَّمَا أَضَافُوهُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ.

وَإِنْ عَفَا الْجَارُ عَنْهَا كَانَتْ لِمَنْ يَلِيهِ إلى القريب ثم لمن يليه في آخِرِ الْجِوَارِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ نَافِذَةً فَلَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ " وَرَوِي بِسَقَبِهِ يَعْنِي بقربه.

<<  <  ج: ص:  >  >>