للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلَيْنِ، كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ.

وَالصَّحِيحُ - عِنْدِي أَنْ يعتبر حال الإجازة، فَإِنْ كَانَتْ مَعْقُودَةً عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْأَجِيرُ فِي يَدِ نَفْسِهِ لَا فِي يَدِ مُسْتَأْجِرِهِ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى مُوجَبِ عَقْدِهِ لَا عَلَى رأي مستأجره كالخياطة والنساجة والصياغة، صحت الإجازة، وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُودَةً عَلَى تَصَرُّفِ الْأَجِيرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ أَمْرِهِ كَالْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا مُسْتَذَلٌّ وَفِي الْأَوَّلِ مُصَانٌ.

فَإِنْ قِيلَ بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ كَانَ لِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إِتْمَامُ مَا بقي.

وإن قيل: بصحة الإجازة، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَعْمَلُهُ الْأَجِيرُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَخَذَ بِعَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُهُ فِي يَدِ مُسْتَأْجِرِهِ، وَبِأَمْرِهِ مُنِعَ مِنِ اسْتِذْلَالِهِ بِالْعَمَلِ، وَأُوجِرَ الْأَجِيرُ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَدُفِعَتْ أُجْرَتُهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ، لِيَسْتَأْجِرَ بِهَا إِنْ شَاءَ مَنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لَهُ، كَمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ إِذَا ابْتَاعَهُ، إِذَا صَحَّ بيعه.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ مُصْحَفًا أَوْ دَفْتَرًا فِيهِ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَخْتُهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمُصْحَفُ فَمَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ " فَإِذَا مُنِعُوا مِنْ مَسِّهِ تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ كَانَ مَنْعُهُمْ مِنْ تَمَلَّكِهِ وَاسْتِبْذَالِهِ أَوْلَى.

فَإِنْ بِيعَ عَلَى مُشْرِكٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُصْحَفَ لِتَحْرِيمِ مَسَّهِ أَغْلَظُ حرمة منه لعبد الَّذِي لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ.

فَأَمَّا أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُصْحَفِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْمَنْعِ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا مُنِعُوا مِنِ ابْتِيَاعِ كُتِبِ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صِيَانَةً لَهَا مِنْ تَعَرُّضِهِمْ لِاسْتِبْذَالِهَا، وَإِنْ جَازَ لَهُمْ مَسُّهَا، فَإِنِ ابْتَاعُوهَا فَهِيَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِيهَا سِيرَتُهُ وَصِفَتُهُ فَابْتِيَاعُهُمْ لَهَا جَائِزٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَلَامُهُ مِنْ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَأَحْكَامِهِ، فَفِي الْبَيْعِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>