للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ أَنْ يَكْتُبَ فِي قَضَائِهِ لِلْمُدَّعِي صِفَةَ الْحَالِ، وَأَنَّهُ حَكَمَ بِبَيِّنَتِهِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ الْغَائِبَ فِيهَا عَلَى حُجَّتِهِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْيَدِ، حِينَ انْتُزِعَتِ الدَّارُ مِنْ يَدِهِ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةَ الْغَائِبِ بِمِلْكِهِ لِلدَّارِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِي إِقَامَتِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ الْوِكَالَةِ عَنِ الْغَائِبِ، فَيَسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ لِلْغَائِبِ بِالْمِلْكِ، لِأَنَّه وَكِيلُهُ فِيهَا، وَيَحْكُمُ لِلْغَائِبِ، لِأَنَّ لَهُ مَعَ الْبَيِّنَةِ يَدًا لَيْسَتْ لِلْمُدَّعِي.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلًا لِلْغَائِبِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ لَهُ بِالدَّارِ حَقٌّ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ إِجَارَةٍ، وَلَا رَهْنٍ فَلَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِلْغَائِبِ، لِأَنَّه لَا حَقَّ لَهُ فِي إِقَامَتِهَا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ مُنْكِرًا لَهَا، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ، فَيَدَّعِي كَمَنْ شَهِدُوا فِي تَرِكَةٍ بِقَسْمٍ وَمَالِ مُفْلِسٍ يُبَاعُ عَلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ جُمْلَتِهِ مِلْكٌ لِغَائِبٍ لَمْ يَدَّعِهِ، لَمْ تُسْمَعِ الشَّهَادَةُ، وَقُسِمَ بَيْنَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ، وَإِنْ أَرَادَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، بِمِلْكِ الْغَائِبِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهَا بِالْإِجَارَةِ أَوْ بِالرَّهْنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ حَقَّهُ بِهَا، وَيُقْضَى بِمِلْكِهَا لِلْغَائِبِ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ بِالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهَا لِغَيْرِ مُدَّعٍ، تَبَعًا لِلْقَضَاءِ لِحَقِّ الْحَاضِرِ عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا تُسْمَعَ بَيِّنَةُ الْحَاضِرِ وَإِنِ ادَّعَى الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ، لِأَنَّهمَا تَبَعٌ لِمِلْكِ الْأَصْلِ فَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْإِجَارَةُ، وَلَا الرَّهْنُ، إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَائِبِ، وَمِلْكِ الْغَائِبِ لَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ إِلَّا بعد مطالبته. والله أعلم.

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ أَمْسُ لَمْ أَقْبَلْ قَدْ يَكُونُ فِي يَدَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ دَارٌ فَادُّعِيَتْ عَلَيْهِ وَأَقَامَ مُدَّعِيهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمْسِ، كَالَّذِي نَقْلَهُ المزني والربيع، وأنه لَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّ الدَّارَ كَانَتْ بِيَدِهِ بِالْأَمْسِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ مَعَ يَمِينِهِ.

وَنَقَلَ أَبُو يَعْقُوبَ الْبَوِيطِيِّ إِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي مَسْمُوعَةٌ، وَيُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِهِ فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُخَرِّجُ سَمَاعَهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ إِنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ وَلَا يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي، وَتَكُونُ الدَّارُ مُقَرَّةً فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ فِي وَقْتِ الدَّعْوَى لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>