للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مِنْ كِفَايَتِهِ لِكَوْنِهَا مِنْ كِفَايَةِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ مَنْ يَخْدِمُ نَفْسَهُ فَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى مَنْ يَخْدِمُهُ. وَأَمَّا الْمَادَّةُ فَهِيَ مِنْ كِفَايَتِهِ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَلَا يُلْزِمُ بَدَنَهُ إِلَّا بِهَا وَهِيَ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثِ جِهَاتٍ إِمَّا مِنِ اسْتِغْلَالِ عَقَارٍ أَوْ رِبْحِ تِجَارَةٍ أَوْ كَسْبِ صِنَاعَةٍ. فَأَمَّا اسْتِغْلَالُ الْعَقَارِ فَقَدْ يَكُونُ تَارَةً أَرْضًا تُزْرَعُ وَتَارَةً شَجَرًا تستثمر وتارة أبنية تؤاجر، وَمَثَلُهُ أَنْ يَكُونَ مَاشِيَةً تُحْتَلَبُ، فَإِنْ مَلَكَ من هذه الأصول ما تكونه غَلَّتُهُ وَفْقَ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَانَتْ هَذِهِ الْأُصُولُ مِنْ جُمْلَةِ كِفَايَتِهِ فَيُجْزِيهِ الصَّوْمُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ. وَإِنْ مَلَكَ مِنْهَا مَا غَلَّتُهُ أَكْثَرُ مِنْ كِفَايَتِهِ كَانَتْ زِيَادَتُهَا خَارِجَةً عَنْ كِفَايَتِهِ، فَإِنْ بَلَغَتْ زِيَادَةُ أُصُولِهَا قِيمَةَ الرَّقَبَةِ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ دُونَ الصَّوْمِ وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا رِبْحُ التِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَا يَكُونُ رِبْحُهُ وَفْقَ كِفَايَتِهِ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ دُونَ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ زَائِدًا عَنِ الْقَدْرِ الَّذِي يَكْتَفِي بِرِبْحِهِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ خَارِجَةً عَنْ كِفَايَتِهِ فَيَصْرِفُهَا فِي عِتْقِ كَفَّارَتِهِ.

وَأَمَّا كَسْبُ الصِّنَاعَةِ فَإِنْ كَانَ وَفْقَ الْكِفَايَةِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْكِفَايَةِ نَظَرَ فِي زِيَادَةِ الْكَسْبِ فَإِنْ قُلْتَ وَكَانَتْ لَا تَجْتَمِعُ فَتَبْلُغُ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ إِلَّا فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ يُنْسَبُ فِيهِ إِلَى تَأْخِيرِ التَّكْفِيرِ عَنْ وَقْتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ جَمْعُهَا لِلْعِتْقِ وَجَازَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ إِذَا جُمِعَتْ فِي قَلِيلِ الزَّمَانِ الَّذِي لَا يُنْسَبُ فِيهِ إِلَى تَأْخِيرِ التَّكْفِيرِ بَلَغَتْ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَا قَارَبَهَا فَفِي وُجُوبِ جَمْعِهَا لِلتَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ جَمْعُهَا وَالتَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنْسَبُ فِيهِ إِلَى تَأْخِيرِ التَّكْفِيرِ فَصَارَ كَالْقَادِرِ عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَمْعُهَا لِلْعِتْقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْعِتْقِ فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ حَتَّى جَمَعَ فَاضِلَ الْكَسْبِ فَبَلَغَ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يكفر بالعتق اعتباراً بوقف الْأَدَاءِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ.

(فَصْلٌ:)

وَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ يَزِيدُ عَلَى مَسْكَنِ مِثْلِهِ وَخَادِمٌ يَزِيدُ عَلَى خَادِمِ مِثْلِهِ وَثِيَابٌ تَزِيدُ عَلَى ثِيَابِ مِثْلِهِ نَظَرَ فِي الزِّيَادَةِ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْدَالُ بِذَلِكَ وَجَازَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ بَلَغَتْ زِيَادَةُ أَثْمَانِهَا قِيمَةَ الرَّقَبَةِ لَزِمَهُ الِاسْتِبْدَالُ بِهَا وَبَاعَ مَسْكَنَهُ أَوْ خَادِمَهُ أَوْ ثِيَابَهُ وَاشْتَرَى مِنْ أَثْمَانِهَا مَسْكَنَ مِثْلِهِ وَخَادِمَ مِثْلِهِ وَثِيَابَ مِثْلِهِ وَصَرَفَ فَاضِلَ الْأَثْمَانِ فِي التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>