وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقَسَامَةِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي حَقِّ الدِّمَاءِ فَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْمَعْنَى وُجُوبَ الدِّيَةِ وَسَقْطَ القود.
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ في إشاطة الدَّمِ وَوُجُوبِ الْقَوَدِ فَإِنْ كَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ قُتِلَ قَوَدًا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي عَدَدِ مَنْ يُقْتَلُ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ كَثُرُوا إِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِكُوا لِأَنَّ الْقَسَامَةَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَوَدِ تَجْرِي مَجْرَى الْبَيِّنَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَقْتُلُ بِهِ أَكْثَرَ مِنِ اثنين وحكا أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ.
وَحَكَى الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَوْلًا لِنَفْسِهِ: أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ حَقْنًا لِلدِّمَاءِ، وَلِضَعْفِ الْقَسَامَةِ عَنِ الْبَيِّنَةِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَأَجْعَلُ لِلْوَلِيِّ بَعْدَ أَيْمَانِهِ الْخِيَارَ فِي قَتْلِ أَيِّ الْجَمَاعَةِ شَاءَ فَإِذَا قُتِلَ أَحَدُهُمْ أُخِذَ مِنَ الْبَاقِي أَقْسَاطُهُمْ مِنَ الدِّيَةِ.
وَإِنْ قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّ الْقَوَدَ سَاقِطٌ فِي الواحد والجماعة فالدية المستحقة بالقسامة وتكون مُغَلَّظَةً، حَالَّةً فِي مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إِنْ تَفَرَّدَ بِهَا وَاحِدٌ غَرِمَ جَمِيعَهَا وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً تَقَسَّطَتْ عَلَى أَعْدَادِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَسَوَاءٌ كَانَ بِهِ جُرْحٌ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ لِلْوَلِيِّ أَنَّهُ يُقْسِمُ فِي الْقَتْلِ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْسِمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَثَرُ جُرْحٍ.
فَإِنْ لَمْ يُكَنْ بِهِ أَثَرُ جُرْحٍ وَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ أَقْسَمَ - وَإِنْ خَرَجَ مَنْ أَنْفِهِ لَمْ يُقْسِمْ لِأَنَّ عَدَمَ الْأَثَرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَوْتٍ وَمِنْ قَتْلٍ وَخُرُوجَ الدَّمِ مِنَ الْأَنْفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رُعَافٍ أَوْ خَنْقٍ فَضَعُفَتِ الدَّعْوَى وَسَقَطَتِ الْقَسَامَةُ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنَ الْمَوْتِ أَنْ يَكُونَ بِأَسْبَابٍ حَادِثَةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَادِثٍ، وَمَوْتُ الْفُجَاءَةِ نَادِرٌ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مَرَضٌ صَارَ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ بِحَادِثِ الْقَتْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى نَادِرَةِ الْفُجَاءَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَتْلَ قَدْ يَكُونُ تَارَةً بِالْجُرْحِ وَالْأَثَرِ، وَيَكُونُ تَارَةً بِالْخَنْقِ وَالْإِمْسَاكِ لِلنَّفْسِ وَبِعَصْرِ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ وَإِذَا كَانَ بِهِمَا وَجَبَ أَنْ تَسْتَوِيَ الْقَسَامَةُ فِيهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.