صَارَ عَائِدًا وَبِمَاذَا يَصِيرُ عَائِدًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الرَّجْعَةِ:
أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ عَائِدًا بِنَفْسِ النِّكَاحِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا إِلَّا بِأَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ النِّكَاحِ زَمَانُ الْعَوْدِ فَلَوِ اتَّبَعَ النِّكَاحَ طَلَاقًا لَمْ يَعُدْ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ بِكَلَامِهِ فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: أَرَادَ بِهِ أَنَّ الظِّهَارَ فِي عِدَّةِ الرَّجْعَةِ لَا يَكُونُ ظِهَارًا إِلَّا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مَذْهَبِهِ وَمُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَائِدًا إِلَّا بَعْدَ الرَّجْعَةِ، كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إِلَّا بَعْدَ الرَّجْعَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ شَرْطَ الظِّهَارِ أَنْ يُصَادِفَهَا فِي الزَّوْجِيَّةِ وَهَذِهِ جَارِيَةٌ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَصَحَّ ظِهَارُهُ مِنْهَا لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَشَرْطُ الْعَوْدِ أَنْ يُمْسِكَهَا غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ وَهَذِهِ مُحَرَّمَةٌ فَلَمْ يَصِرْ عَائِدًا لِعَدَمِ شَرْطِهِ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: بَلْ تَوَهَّمَ الْمُزَنِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ حِينَ جَعَلَهُ مُظَاهِرًا فِي الْعِدَّةِ جَعَلَهُ عَائِدًا فِيهَا فَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَهَذَا وَهْمٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ بِمُخَالَفَةٍ لَهُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَإِنْ جَعَلَهُ مُظَاهِرًا قَبْلَ الرَّجْعَةِ لَمْ يَجْعَلْهُ عَائِدًا إِلَّا بَعْدَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: (وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَالظِّهَارُ بِحَالِهِ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ فَظِهَارُهُ مِنْهَا صَحِيحٌ كَمَا أَنَّ طَلَاقَهُ عَلَيْهَا وَاقِعٌ فَإِذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانِ الْعَوْدِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بِالْمِلْكِ، وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِالشِّرَاءِ لِوُجُوبِهَا قَبْلَهُ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْمِلْكِ حَتَّى يُكَفِّرَ كَمَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَالْمُلَاعَنَةِ إِذَا اشْتَرَاهَا كَانَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ كَتَحْرِيمِهَا قَبْلَهُ وَكَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إِذَا اشْتَرَاهَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ سَبَبًا فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ إِنْ مَلَكَ أَمَةً أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَمَلَكَ أَمَةً جَازَ أَنْ يُعْتِقَهَا عَنْ نَذْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ سَبَبًا لِوُجُوبِ نَذْرِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِيَهَا قَبْلَ الْعَوْدِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا عُقَيْبَ ظِهَارِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَفِي عَوْدِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَاهُنَا أَنَّهُ يَصِيرُ عَائِدًا بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْعَوْدَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ فَلَا يُحَرِّمُهَا وَلَيْسَ الشِّرَاءُ تَحْرِيمًا لَهَا بَلِ اسْتِبَاحَتُهَا بِالْمِلْكِ أَقْوَى مِنِ اسْتِبَاحَتِهَا بِالنِّكَاحِ فَعَلَى هَذَا قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْعَوْدِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ إِصَابَتُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَوِ اتَّبَعَ الشِّرَاءَ عِتْقَهَا لَمْ تَسْقُطْ عنه الكفارة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute