للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِتْلَافِهِ فِي الْخُلْعِ بِمَالِهَا فَرُدَّ كَمَا تُرَدُّ هِبَاتُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ طَلَاقُ الزَّوْجِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَاجِزًا أَوْ مُقَيَّدًا، فَإِنْ كَانَ نَاجِزًا وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجَةِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُخَالِعْهُ وَلَا عَلَى الْأَبِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ مُقَيَّدًا كَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ طَلَّقْتُهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي لَهَا فَطَلَاقُهُ لَا يَقَعُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ وُقُوعَهُ مُقَابِلًا لِتَمَلُّكِ الْعَبْدِ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكِ الْعَبْدَ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُخَالِعَهُ الْأَبُ عَلَى صَدَاقِهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْخُلْعُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ، لِأَنَّ صَدَاقَهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهَا لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُبَرِّئَ مِنْهُ، كَمَا لَا يُبَرِّئُ مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءً قِيلَ إِنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الْأَبَ وَإِنْ جَعَلَ بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِبْرَاءُ مِنَ الصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُخَالِعَهُ بِصَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَمْلِكُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ، فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْكَلَامُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ كَوْنِهِ نَاجِزًا أَوْ مُقَيَّدًا.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَإِنَّهُ يَمْلِكُ إِبْرَاءَ الزَّوْجِ مِنْ صَدَاقِ بِنْتِهِ الْبِكْرِ إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي جَوَازِ مُخَالَفتِهِ لِلزَّوْجِ عَلَى صَدَاقِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُبْرِئَهُ بِغَيْرِ خُلْعٍ وَلَا مُعَاوَضَةٍ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُبْرِئَهُ بِخُلْعٍ وَمُعَاوَضَةٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خُلْعُهُ وَإِنْ جَازَ إِبْرَاؤُهُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَوَّزَ لَهُ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَهَذَا قَبْلَ الطَّلَاقِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهَا مِنَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ وَالْخُلْعَ مُسْقِطٌ لِحَقِّهَا مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَسُكْنَاهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِبْرَاءَ نُدِبَ إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْغِيبِ الْخُطَّابِ فِيهَا، وَالْخُلْعَ مُنَفِّرٌ عَنْهَا فَافْتَرَقَ الْإِبْرَاءُ وَالْخُلْعُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، فَلِذَلِكَ جَازَ إِبْرَاؤُهُ وَلَمْ يَجُزْ خُلْعُهُ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُظِرَ فِي إِبْرَاءِ الأب له في الخلع، فإن فيه ثلاثة مَسَائِلَ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ لَهُ: طَلِّقْهَا وَأَنْتَ برئ مِنْ صَدَاقِهَا، فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَقَعَ طَلَاقُهُ، لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ نَاجِزًا وَلَا يَبْرَأُ مِنَ الصَّدَاقِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ الضَّمَانُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ وَيَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكْ فِيهِ عِوَضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>