فَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِهَا مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ فَمَنْسُوبُ الْفِعْلِ إِلَى الْإِمَامِ لِمَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ مِنَ الْتِزَامِ طَاعَتِهِ.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يَتَوَلَّاهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ، وَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْمُرَ بِهَا غَيْرَهُ، فَإِنْ تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَعَلَى الْجَارِحِ مَعًا لِأَنَّهُمَا قَاتِلَا عَمْدٍ وَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَمَرَ بِهَا غَيْرَهُ، وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي طَاعَةِ الْأَمْرِ، وَعُزِّرَ الْآمِرُ لِمُعَاوَنَتِهِ عَلَى مَا أَفْضَى إِلَى الْقَتْلِ، وَوَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْجَارِحِ، فإن عفا عنهما، كانت الدية سنة وَبَيْنَ الْمَأْمُورِ نِصْفَيْنِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجَارِحُ وَالْوَلِيُّ فِي الْخِيَاطَةِ فَقَالَ الْوَلِيُّ: كَانَتْ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَعَلَيْكَ الْقَوَدُ أَوْ جَمِيعُ الدِّيَةِ، وَقَالَ الْجَارِحُ: بَلْ كَانَتْ فِي لَحْمٍ حَيٍّ، فَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَعَدِمَا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الجارح مع يمنيه وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ فِي وُجُوبِ النِّصْفِ، وَفِي شَكٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ حَيَاةُ اللَّحْمِ حَتَّى يَطْرَأَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَصَارَ الظَّاهِرُ مَعَ الْجَارِحِ دُونَ الْوَلِيِّ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الدواء، فقال الجارح: كان سما موحياً وَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا دِيَةُ الْجُرْحِ، وَلَا قَوَدَ فِي النَّفْسِ، وَقَالَ الْوَلِيُّ: بَلْ كَانَ دَوَاءً غَيْرَ قَاتِلٍ، وَأَنْتَ الْقَاتِلُ فَعَلَيْكَ الْقَوَدُ، أَوْ دِيَةُ النَّفْسِ، فَالْقَوْلُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ قَوْلُ الْوَلِيِّ دُونَ الْجَارِحِ، وَعَلَى الْجَارِحِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ أَوْ جَمِيعُ الدِّيَةِ لِأَمْرَيْنِ اقْتَضَيَا عَكْسَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ مِنَ الخِيَاطَةِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ جِنَايَةِ الْجَارِحِ وَفِي شَكٍّ مِنْ غَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّدَاوِي أَنَّهُ بِالنَّافِعِ دُونَ الْقَاتِلِ، فَصَارَ الظَّاهِرُ هُوَ المغلب والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَوْ قُطِعَ يَدُ نَصْرَانِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَكُنْ قَوَدٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ مِمَّنْ لَا قَوَدَ فِيهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَلَا يُشْبِهُ الْمُرْتَدَّ لِأَنَّ قَطْعَهُ مُبَاحٌ كَالْحَدِّ وَالنَّصْرَانِيُّ يَدُهُ مَمْنُوعَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ نَصْرَانِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقَوَدُ وَوَجَبَ فِيهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ، اعْتِبَارًا فِي الْقَوَدِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَفِي الدِّيَةِ باستقرار السراية، وإنما اعتبر في القود بحال الْجِنَايَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ النَّصْرَانِيُّ لَوْ قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاطِعُ ومات