للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدُ عَلَى كُفْرِهِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ اسْتُؤْنِفَتْ جِزْيَتُهُ، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، لِحُرْمَةِ وَلَائِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسَبِ أَغْلَظُ، وَلَا تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ بِإِسْلَامِ الْأَبِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا تَسْقُطَ بِإِسْلَامِ الْمُعْتِقِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا اسْتُؤْنِفَتْ جِزْيَتُهُ عَنْ مُرَاضَاةٍ، وَإِنْ كَانَ مُعْتِقُهُ ذِمِّيًّا، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جِزْيَةُ مُعْتِقِهِ، لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ بِعِتْقِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ جِزْيَةُ عَصَبَتِهِ، لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِمِيرَاثِهِ وَنُصْرَتِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَا اسْتَأْنَفَ الصُّلْحَ عَلَيْهِ بِمُرَاضَاتِهِ، لِيُفْرِدَهُ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنِ امتنع منها بنذر إِلَيْهِ عَهْدُهُ ثُمَّ صَارَ حُرًّا، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ تُؤْخَذُ مِنْهُ جَبْرًا.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الصِّبْيَانُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِمُعَاذٍ: " خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا " فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِهَا عَنْ غَيْرِ الْحَالِمِ، وَلِأَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَلِأَنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ إِذَا سُبُوا، فَصَارُوا أَمْوَالًا، فَإِذَا بَلَغُوا وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يَلْتَزِمُونَ جِزْيَةَ آبَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ مَعَهُمْ، لِأَنَّهُمْ خَلَفٌ لِسَلَفِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: لَا تَلْزَمُهُمْ جِزْيَةُ آبَائِهِمْ، وَيُسْتَأْنَفُ مَعَهُمْ عَقْدُهَا عَنْ مُرَاضَاتِهِمْ، إِمَّا بِمِثْلِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ إِذَا لَمْ يَنْقُصْ عَنِ الدِّينَارِ، وَهَذَا وَهَمٌ فِيهِ يَفْسُدُ مِنْ وَجْهَيْنِ: مَذْهَبٍ، وَحِجَاجٍ.

أَمَّا الْمَذْهَبُ: فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ جَعَلَ جِزْيَةَ الْوَلَدِ إِذَا اخْتَلَفَتْ جِزْيَةُ أَبَوَيْهِ أَنَّ جِزْيَتَهُ جِزْيَةُ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ.

وَأَمَّا الْحِجَاجُ: فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فِي أَمَانِ الذِّمَّةِ كَانُوا تَبَعًا لَهُمْ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ. وَهَذَا يَجْعَلُهُ مُؤَقَّتًا يَلْزَمُ اسْتِئْنَافُهُ مَعَ بُلُوغِ كُلِّ وَلَدٍ، وَفِيهِ أَعْظَمُ مَشَقَّةٍ، وَمَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ.

فَأَمَّا الْبُلُوغُ: فَيَكُونُ بِالِاحْتِلَامِ، وَبِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِإِنْبَاتِ الشَّعْرِ، لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ اسْتُرِقَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>