للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: مَا قَالَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ إِنَّهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ.

وَالرَّابِعُ: مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، إِنَّهُ إِنْ كَفَّرَ بِالْحِنْطَةِ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ كَفَّرَ بِالتَّمْرِ أَوِ الشَّعِيرِ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا، وَعَنْهُ فِي الزَّبِيبِ رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: صَاعٌ كَالتَّمْرِ.

وَالثَّانِيَةُ: نِصْفُ صَاعٍ كَالْبُرِّ.

وَالْخَامِسُ: مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ يُعْطِي كُلَّ مُسْلِمٍ مُدًّا وَاحِدًا مِنْ أَيِّ صِنْفٍ أَخْرَجَ مِنَ الْحُبُوبِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ، وَهَكَذَا كُلُّ كَفَّارَةٍ أَمْسَكَ عَنْ تَقْدِيرِ الْإِطْعَامِ فِيهَا مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إِطْعَامًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُقَدَّرُ إِطْعَامُ كُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدٍّ وَاحِدٍ فِي أَيِّ يد كَفَّرَ، وَمِنْ أَيِّ جِنْسٍ أَخْرَجَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالدَّلِيلُ.

فَأَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) {المائدة: ٨٩) ، فَكَانَ الْأَوْسَطُ مَحْمُولًا عَلَى الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، فَأَوْسَطُ الْقَدْرِ فِيمَا يَأْكُلُهُ كُلُّ إنسانٍ رِطْلَانِ مِنْ خُبْزٍ، وَالْمُدُّ رطلٌ وَثُلُثٌ من حب إذا أخبز كان رطلين مِنْ خُبْزٍ هُوَ أَوْسَطَ الْكَفَّارَةِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْأَعْرَابِيِّ الْوَاطِئِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ " أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأُتِيَ بفرقٍ مِنْ تمرٍ فَقَالَ: أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَالْفَرَقُ: خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا يَكُونُ سِتِّينَ مُدًّا، فَجَعَلَ لِكُلِّ مِسْكِينَ مُدًّا، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ فَهُوَ أَنَّ إِطْلَاقَ الْإِطْعَامِ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ بِالنَّصِّ لَكَانَ معتبراً بالعرق، وعرق مَنِ اعْتَدَلَ أَكْلُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَلَا مِنَ الْمُقَتِّرِينَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالْمُدِّ فِي أَكْلِهِ، وَلَيْسَ يَنْتَهِي إِلَى صَاعٍ، هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَمَانِيَةُ أرطالٍ، وَمَا خَرَجَ عَنِ الْفَرَقِ لَمْ يُعْتَبَرْ إِلَّا بِنَصٍّ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَدَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْإِطْعَامَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى بِمُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَلِمَا لَا جَعَلْتُمُوهُ أَصْلًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَدَّرْتُمُوهُ بِمُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيلَ: لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمَّا قُدِّرَ فِي كَفَّارَةِ الْوَاطِئِ بِمُدٍّ وَفِي كَفَّارَةِ الْأَذَى بِمُدَّيْنِ، وَتَرَدَّدَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بَيْنَ أَصْلَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ تَعْيِنٌ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَمَّا خُفِّفَتْ فِدْيَةُ الْأَذَى بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ تَغَلَّظَتْ بِمِقْدَارِ الطَّعَامِ، وَلَمَّا غُلِّظَتْ كَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ بِتَرْتِيبِ الْإِطْعَامِ عَلَى الصِّيَامِ تَخَفَّفَتْ بِمِقْدَارِ الْإِطْعَامِ تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا فِي أَنْ تَتَغَلَّظَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ وَجْهٍ وَتَتَخَفَّفُ من وجه.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَا أَرَى أَنْ يُجْزِئَ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَمْدَادِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>