مَالِهِ حَصَلَ التَّعَدِّي عَلَيْهِ دُونَ مَالِهِ فَلَمْ يَصِرِ الْمَالُ مَغْصُوبًا وَخَالَفَ حَالَ التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعَ اشْتِهَارِ الْقَوْلِ عُرْفًا أَنَّ فُلَانًا غَصَبَ دَارًا أَوْ أَرْضًا. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْمَسْرُوقِ فَهُوَ أَنَّ الْقَطْعَ فِيهَا مُعْتَبَرٌ بِهَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ الْمَالِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ نُقِلَ غَيْرَ محرزٍ لم يكن سارقاً بقطع وَخَالَفَ الْغَصْبُ الْمُعْتَبَرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ سَرَقَ دَارًا وَيُقَالُ غصب داراً.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا بَيَّنَّا مِنْ صِفَةِ الْغَصْبِ فَلِلْمَغْصُوبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ تَالِفًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ نَاقِصًا. فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ ارْتَجَعَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ فَإِنَّ ضَعُفَ عَنِ ارْتِجَاعِهِ فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ اسْتِرْجَاعُهُ وَتَأْدِيبُ الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ كَالطَّعَامِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَدْ بَرِئَ بَعْدَ رَدِّهِ مِنْ حُكْمِ الْغَصْبِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْ نَقَصَتْ فِي الْأَسْوَاقِ لِرُخْصِ الْأَسْعَارِ أَمْ لَا لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نَقْصُ السُّوقِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَالدَّوَابِّ وَالْآلَاتِ فَعَلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ لِمِثْلِ زَمَانِ الْغَصْبِ أُجْرَةٌ وَعَلَيْهِ مَؤُنَةُ الرَّدِّ إِنْ كَانَ لِرَدِّهِ مَؤُنَةٌ.
: وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ تَالِفًا فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ تَلِفَ بِفِعْلِهِ أَوْ غَيْرِ فِعْلِهِ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ. ثُمَّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ كَالَّذِي تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَصِفَةً وَقَدْرًا لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ أَخَصُّ بِهِ بَدَلًا مِنَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مِثْلٌ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَالْقِيمَةِ مِثْلٌ فِي الشَّرْعِ دُونَ اللُّغَةِ فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمُ الْقِيمَةَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ طَالِبَهَا الْغَاصِبُ أَوِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ فَأَمَّا إِنْ تَرَاضَيَا بِالْقِيمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّ الْمَعِيبِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَلَّا يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ كَالَّذِي تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ مِنَ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ قِيمَةً مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ الْعَنْبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَعَلَى صِفَتِهِ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةٍ فُلَيْتٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ صَانِعًا طَعَامًا مِثْلَ صَفِيَّةَ صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَعَامًا فَبَعَثَتْ بِهِ فَأَخَذَنِي أَفْكَلُ فَكَسَرْتُ الْإِنَاءَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْتُ قَالَ إناءٌ مِثْلُ إناءٍ وطعامٌ مِثْلُ طعامٍ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَاهُ رجلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute