فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَكُونُ كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَمْ يَعُدِ الْإِيلَاءُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ كُلِّهِ وَأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، وَعَادَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْقَدِيمِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَكُونُ كَالطَّلَاقِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ كُلِّهِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَلَا يَعُودُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْجَدِيدِ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَعُودُ الطَّلَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي إِذَا كَانَ مَعْقُودًا فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِعَقْدٍ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْعَقْدُ زَالَ حُكْمُهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِعَدَدِ الطلاق بزوال عَقْدُهُ وَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ، وَيَكُونُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مُعْتَبَرًا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
وَالِاحْتِجَاجُ الثَّانِي: إِنْ قَالَ قَدْ صَارَتْ فِي حَالٍ لَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ، فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَدَامَ فِيهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِالْجُنُونِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَبْتَدِئَ فِيهِ الْإِيلَاءُ وَالطَّلَاقُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُسْتَدَامَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ، وَاللَّهُ أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ لِوَقْتٍ فَالحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهَا سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَجَلَ الْعَبْدِ وَأَجَلَ الْحُرِّ الْعِنِّينِ سَنَةٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا، قَالَ: مُدَّةُ الْوَقْفِ فِي الْإِيلَاءِ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَعَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: تَنْتَصِفُ الْمُدَّةُ بِالرِّقِّ، ثُمَّ اخْتَلَفَا.
فَقَالَ مَالِكٌ: يُعْتَبَرُ بِهَا الزَّوْجُ دُونَ الزَّوْجَةِ، فَوَقْفُ الْعَبْدِ شَهْرَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعْتَبَرُ بِهَا الزَّوْجَةُ دُونَ الزَّوْجِ فَيُوقَفُ لِلْأَمَةِ شَهْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا.
فَأَمَّا مَالِكٌ فَجَعَلَهُ مُعْتَبَرًا بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الْفُرْقَةَ، وَالْعَبْدُ يَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ مَعَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَجَعَلَهُ مُعْتَبَرًا بِالْعِدَّةِ لِأَنَّ بِهَا تَقَعُ الْبَيْنُونَةُ، وَالْأَمَةُ تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ مَعَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مَعَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ فِي عَقْدٍ لِرَفْعِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ كَالْعُنَّةِ؛ وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ لِوَقْتٍ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ،