للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ قُطِعَتْ يَدُهُ بِالْيَدِ وَقُتِلَ بِالنَّفْسِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا قَطَعَ الْجَانِي يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ قُطِعَتْ يَدُهُ لِلْأَوَّلِ، وَقُتِلَ لِلثَّانِي.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ بِالثَّانِي وَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَطْعُ، لِأَنَّ الْقَتْلَ أَعَمُّ فَاسْتَوْعَبَ الْحَقَّيْنِ وَلِأَنَّ الغرض إفاتة نفسه والزيادة عليه ومثلة وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ فِي الرِّدَّةِ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ وَدَخَلَ فِيهِ قَطْعُ السَّرِقَةِ، كَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْيَدِ وَعَلَى النَّفْسِ، يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ قَطْعُ الْيَدِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعتدى عليكم} فَوَجَبَ أَنْ يُجَازَى بِالْأَمْرَيْنِ، وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَقَّانِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ وَالْقَتْلَ حَقَّانِ لِشَخْصَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَدَاخَلَا كَالدُّيُونِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ تَدَاخُلُهُمَا فِي الدِّيَةِ امْتَنَعَ تَدَاخُلُهُمَا فِي الْقَوَدِ، وَلِأَنَّ الْخَطَأَ أَخَفُّ مِنَ العَمْدِ وَهُمَا لَا يَتَدَاخَلَانِ فِي الْخَطَأِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَدَاخَلَا فِي الْعَمْدِ فَبَطَلَ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ الْأَوَّلُ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا ومثلة، لِأَنَّهُ جَزَاءٌ فَاجْتِمَاعُ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَقَتْلِ الرِّدَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَدَاخُلِهِمَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَتَدَاخَلَانِ وَيُسْتَوْفَيَانِ، فَيُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ وَيُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَدَاخَلَانِ، لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَجَازَ تَدَاخُلُهُمَا وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَدَاخَلُ، وَهَكَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ زَنَا بِكْرًا ثُمَّ زَنَا ثَيِّبًا، هَلْ يَدْخُلُ الْجَلْدُ فِي الرَّجْمِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَاتِّفَاقِهِمَا فِي الْمُوجِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

(فَصْلٌ)

وَلَوِ ابْتَدَأَ الْجَانِي فَقَتَلَ رَجُلًا، ثُمَّ قَطَعَ يَدَ آخَرَ اقْتُصَّ مِنْ يَدِهِ بِالْقَطْعِ، ثُمَّ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ وَيُقَدَّمُ الْقَطْعُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِ الْقَتْلِ وَإِنْ تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْقَتِيلَيْنِ فِي تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ فَالْأَسْبَقِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ فِي الْقَتِيلَيْنِ، فَقُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ فِي الْيَدِ وَالنَّفْسِ فَرُبَّمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُمَا.

وَلَوْ قُدِّمَ الْقَتْلُ سَقَطَ الْقَطْعُ، وَإِذَا قُدِّمَ الْقَطْعُ لَمْ يَسْقُطِ الْقَتْلُ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ الْقَطْعُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَلَى الْقَتْلِ وَإِنْ تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ مِثَالُ الْقَتْلَيْنِ مِنَ الأَطْرَافِ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ مِنَ اثْنَيْنِ مِثْلَ أَنْ تُقْطَعَ مِنْ رَجُلٍ يُمْنَى يَدَيْهِ، وَمِنْ آخَرَ يُمْنَى يَدَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنَ اليَدِ الْوَاحِدَةِ، فَيُقَدَّمُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهَا لِأَسْبَقِهِمَا كَالْقَتْلَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ، فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ اقْتُصَّ مِنْهَا لِلثَّانِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>