وَهُوَ إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ وَالِافْتِرَاقِ، أَوْ أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى؛ لِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِعِتْقِ مَا لَا يَمْلِكُ.
فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُشْتَرِي الْمُعْتِقِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا، فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ بِوِفَاقِ أَصْحَابِنَا كَافَّةً، لِأَنَّ لِلْبَائِعِ فَسْخَ الْبَيْعِ؛ لِحِفْظِ الرَّقَبَةِ، وَطَلَبِ الْحَظِّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْطِلَ الْمُشْتَرِي بِعِتْقِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْبَائِعُ بِالْفَسْخِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا، فَقَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُخَرِّجُ نُفُوذَ عِتْقِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي عِتْقِ الرَّاهِنِ لِعَبْدِهِ الْمَرْهُونِ:
أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ عِتْقَهُ بَاطِلٌ؛ لِحَجْرِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عِتْقَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا سَرَى إِلَى غَيْرِ الْمِلْكِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، كَانَ وُقُوعُهُ فِي الْمِلْكِ وَرَفْعُهُ لِحَجْرِ الْبَائِعِ أَوْلَى.
وَكَانَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَأَبُو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ، يُنْكِرُونَ تَخْرِيجَ أَبِي الْعَبَّاسِ، وَيُبْطِلُونَ الْعِتْقَ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَالِكًا، فَخِيَارُ الْبَائِعِ يُوَقِعُ عَلَيْهِ حَجْرًا وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَالسَّفِيهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرَّاهِنِ حَيْثُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجْرٌ لِلْمُرْتَهِنِ، أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَالرَّهْنُ وَثِيقَةٌ فِيهِ، فَضَعُفَ حَجْرُهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَائِعُ.
فَإِنْ قِيلَ: بِبُطْلَانِ عِتْقِ الْمُشْتَرِي - وَهُوَ الصَّحِيحُ - اسْتَرْجَعَ الْبَائِعُ عَبْدَهُ بِالْفَسْخِ، وَلَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةٌ وَلَا ثَمَنٌ، لِبُطْلَانِ الْعِتْقِ.
وَإِنْ قِيلَ: بِنُفُوذِ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، فَلَا بُدَّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْعَبْدِ، لِنُفُوذِ عِتْقِهِ، وَصِحَّةِ حُرِّيَّتِهِ. وَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهُ لِلْبَائِعِ، وَفِيمَا يُضَمِّنُهُ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى، وَيَصِيرُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي مُبْطِلًا لِفَسْخِ الْبَائِعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ أَصَحُّ - يُضَمِّنُهُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْخِيَارِ، يُثْبِتُ فَسْخَ الْبَائِعِ، وَفَسْخَ الْبَائِعِ يُوجِبُ رَفْعَ الْعَقْدِ وَالثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِيهِ، وَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ، صَارَ الْمُشْتَرِي مُسْتَهْلِكًا لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِقِيمَتِهِ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ.
فَهَذَا حُكْمُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا فَعَلَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ تَصَرُّفًا غَيْرَ الْعِتْقِ، فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: