للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ لَا فَرْضَ إِلَّا الخمس)

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ: (وَلَا يَجُوزُ لَأَحَدٍ صَلَاةُ فَرِيضَةٍ، وَلَا نَافِلَةٍ، وَلَا سُجُودُ قُرْآنٍ، وَلَا جِنَازَةٍ، إِلَّا مُتَوَجِّهًا إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رُؤْيَتِهِ إِلَّا فِي حَالَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: النَّافِلَةُ فِي السَّفَرِ رَاكِبًا)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: (وَهَذَا كَمَا قَالَ)

وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ فَاسْتَقْبَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْتَ الْمَقْدِسِ

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جُمْلَةِ الْعُلَمَاءِ هَلِ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِرَأْيِهِ أَوْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْيِيرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] فَاخْتَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعِ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣] وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {إلا لنعلم من يتبع الرسول} أربعة تأويلات:

أحدهما: أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا لِيُعْلَمَ رَسُولِي وَأَوْلِيَائِي، لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إِضَافَةَ مَا فَعَلَهُ أَتْبَاعُ لرئيس إِلَى الرَّئِيسِ كَمَا قَالُوا فَتَحَ عُمَرُ سَوَادَ الْعِرَاقَ

وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {إِلا لِنَعْلَمَ} [البقرة: ١٤٣] بِمَعْنَى إِلَّا لِنَرَى، وَالْعَرَبُ قَدْ تَضَعُ الْعِلْمَ مَكَانَ الرُّؤْيَةِ، وَالرُّؤْيَةَ مَكَانَ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١] بِمَعْنَى أَلَمْ تَعْلَمْ

وَالثَّالِثُ: أَنَّ معناه إلا ليعلموا أننا نعلم، أن الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فِي شَكٍّ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>