للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ، فَخَرَجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا كَانَ اعْتِبَارُ التَّكَافُؤِ فِي قَتْلِ الْحِرَابَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَوَجَدْتُ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّصَابَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَمَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِأَخْذِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي الْحِرَابَةِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي السَّرِقَةِ.

وَعِنْدِي: أَنَّ النِّصَابَ فِي الْمَالِ مُعْتَبَرٌ إِذَا انْفَرَدَ الْمُحَارِبُ بِأَخْذِهِ فَلَا يُقْطَعُ حَتَّى يَأْخُذَ رُبُعَ دِينَارٍ، ولا يعتبر إذا اقترن بالقتل والصلب، فإن أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا انْفَرَدَ بِأَخْذِ الْمَالِ صَارَ مَقْصُودًا فَاعْتُبِرَ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ مِنْ أَخْذِ النِّصَابِ، وَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْقَتْلِ صَارَ تَبَعًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ أَخْذُ فيه النصاب؛ لأنه لا يستحق في القطع، ولأن القطع في الحرابة قد يغلظ بزيادة الرجل فلم يتغلظ بإسقاط النصاب فلم يتغلظ مع القتل بمثله فتغلظ بِإِسْقَاطِ النِّصَابِ.

فَأَمَّا اعْتِبَارُ الْحِرْزِ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَعَ مَالِكِهِ أَوْ بِحَيْثُ يَرَاهُ الْمَالِكُ وَيَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ مَنْ لَيْسَ بِمُكَابِرٍ وَلَا مغالب كان في حكم المحرز فيه وجرى عَلَيْهِ فِي الْحِرَابَةِ حُكْمُ الصَّلْبِ إِذَا انْضَمَّ إِلَى الْقَتْلِ، وَفِي جَرَيَانِ حُكْمِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ إِذَا انْفَرَدَ عَنِ الْقَتْلِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحِرْزُ؛ لِأَنَّ الْأَحْرَازَ لَا تُؤَثِّرُ مَعَ الْقَاهِرِ الْمُغَالِبِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يقطع ولا يعتبر فِيهِ الْحِرْزُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْرَزِ مَبْذُولٌ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الْحِرَابَةِ قَدْ تَغَلَّظَ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ تغلظ بِغَيْرِهِ.

(فَصْلٌ)

وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَعُزِّرَ لِخُرُوجِهِ فِي الْحِرَابَةِ كَمَا يُعَزَّرُ الْمُتَعَرِّضُ لِلزِّنَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ، وَالْمُتَعَرِّضُ لِلسَّرِقَةِ بِفَتْحِ الْبَابِ وَهَتْكِ الْحِرْزِ، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ تَعْزِيرِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَتَعَيَّنُ، ويعزر الْإِمَامُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نَفْيٍ كَسَائِرِ مَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَعَلَى هذا رَأَى الْإِمَامُ تَرْكَ تَعْزِيرِهِ وَالْعَفْوَ عَنْهُ جَازَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَعْزِيرَهُ مُتَعَيَّنٌ بِالْحَبْسِ لِأَنَّهُ أَكُفُّ لَهُ عَنْ أَذِيَّةِ النَّاسِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَرْكَ تَعْزِيرِهِ لَمْ يَجُزْ إلا أن تظهر توبته، واختلف من قال بهذا من أصحابا هل يحبس في بلده أو غيره بلده؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُحْبَسُ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ مَانِعٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: يُحْبَسُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ فِي الْحِرَابَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حَدِّ الزِّنَا لِمَا فِيهِ مِنْ ذُلِّ الْغُرْبَةِ بِالْبُعْدِ عن أهله

<<  <  ج: ص:  >  >>