لَا يُوجِبُ فِيهِ وَصْفَ الثَّمَنِ فَأَمَّا إِنِ اسْتَلَمَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي عَشَرَةِ أَكَرَارٍ حِنْطَةً لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَذْكُرَ قِسْطَ كُلِّ كُرٍّ مِنَ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ وَالثَّمَنَ عَلَى أَجْزَائِهِ مُتَقَسَّطٌ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُسْلِمَ ثَمَنًا وَاحِدًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي كُرَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ:
أَحَدُهُمَا: إِلَى أَجَلِ شَهْرٍ، وَالْآخَرُ إِلَى أَجَلِ شَهْرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ فَيَكُونُ السَّلَمُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ على القول الذي يوجب فيه وصف الثمن حَتَّى يُمَيِّزَ ثَمَنَ الْحَالِ مِنْ ثَمَنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُمَا مُخْتَلِفٌ فَلَا يَصِيرُ مَعْلُومَا الْقَدْرِ إِلَّا بِالْصِّفَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُوجِبُ فِيهِ وَصْفَ الثَّمَنِ.
وَلَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي كُرَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا وَضَمِينًا جَازَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ قِسْطَ مَا يَأْخُذُ فِيهِ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِهِ لأنها وثيقة لا تتعلق بالثمن.
[مسألة:]
(وقال المزني) والذي أحتج به فِي تَجْوِيزِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَسَلَّفَ بَكْرًا فَصَارَ بِهِ عَلَيْهِ حَيَوَانًا مَضْمُونًا وَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاعَ جَمَلًا بِعِشْرِينَ جَمَلًا إِلَى أَجَلٍ وَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ إِلَى أَجَلٍ (قَالَ المزني) قلت أنا وَهَذَا مِنَ الْجُزَافِ الْعَاجِلِ فِي الْمَوْصُوفِ الْآجِلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الْفَصْلُ حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشافعي وأراد به الشافعي شيئا وأراد به المزني غَيْرَهُ فَأَمَّا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِهِ فَهُوَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَفِي الْفُقَهَاءِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ.
احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ ووزن معلوم وأجل مَعْلُومٍ " فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا يُقَدَّرُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ شَرْطًا فِي جَوَازِ السَّلَمِ وَبِمَا رَوَى قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، فَمَنَعَ مِنَ النِّسَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذمة وما لا يثبت في الذمة يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ.
وَرَوَى جَابِرٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نساء.