للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصيد فِي ضَمَانِهِ كَصَيْدِ الْحِلِّ عَلَى الْمُحْرِمِ؛ وَلِأَنَّ ضَمَانَ صَيْدِ الْمُحْرِمُ مُفَارِقٌ لضَمَانِ أَمْوَالِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَمْوَالَ الْآدَمِيِّينَ تُضْمَنَ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِالْمِثْلِ مِنْ جِنْسِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ صَيْدُ الْمُحْرِمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ أَمْوَالَ الْآدَمِيِّينَ مَضْمُونَةٌ ببدلٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ صَيْدُ الْحَرَمِ، وَإِذَا فَارَقَتْ أَمْوَالُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَانَتْ مُلْحَقَةً بِضَمَانِ الصَّيْدِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا صَيْدُ الْحِلِّ إِذَا أُدْخِلَ الْحَرَمَ بَعْدَ صَيْدِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَيْدِ الْحِلِّ دُونَ الْحَرَمِ، فَيَجُوزُ إِمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ، وَلَا جَزَاءَ فِي قَتْلِهِ، وَقَالَ أبو حنيفة: قَدْ صَارَ حُكْمُهُ بِدُخُولِ الْحَرَمِ حُكْمَ الصَّيْدِ الْحُرُمِ، فَلَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهُ وَلَا ذَبْحُهُ، وَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ عَلَى قَاتِلِهِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنَ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) {آل عمران: ٩٧) فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَانَ الدَّاخِلِ إِلَيْهِ كَأَمَانِ الْقَاطِنِ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُهُمَا، وبعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا "؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَانِعًا مِنَ الْاصْطِيَادِ كَانَ مَانِعًا مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ كَالْإِحْرَامِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ: أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ حَرَامٌ كَمَا أَنَّ صَيْدَ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ، فَلَمَّا جَازَ إِدْخَالُ الصَّيْدِ إِلَى حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَإِمْسَاكُهُ فيه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ " فَأَقَرَّهُ عَلَى إِمْسَاكِ الصَّيْدِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَرَّمَ صَيْدَ الْمَدِينَةِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ إِدْخَالُ الصَّيْدِ إِلَى الْحَرَمِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ مَوْضِعٌ حَرُمَ قَتْلُ صَيْدِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْرُمَ فِيهِ قَتْلُ مَا صِيدَ فِي غَيْرِهِ كَالْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ لَوْ صِيدَ وَأُخْرِجَ إِلَى الْحِلِّ لَمْ يَزَلْ عَنْهُ حُكْمُ الْحَرَمِ، وَكَانَ عَلَى حَالِهِ الْأُولَى فِي تَحْرِيمِ قَتْلِهِ، وَجَبَ إِذَا صَادَ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا أَوْ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ أَنْ لَا يَزُولَ عَنْهُ حُكْمُ الْحِلِّ وَيَكُونَ عَلَى حَالِهِ الْأُولَى فِي إِبَاحَةِ قَتْلِهِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ صَيْدٌ أُوجِبَ إِمْسَاكُهُ حُكْمًا فَوَجَبَ أَلَّا يُنْتَقَلَ عَنْ حُكْمِهِ بِانْتِقَالِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ إِذَا أُخْرِجَ إِلَى الْحِلِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَظَرَ صَيْدَ الْحَرَمِ عَلَى أَهْلِ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَأَبَاحَ صَيْدَ الْحِلِّ لِأَهْلِ الْحِلِّ وَالْحُرُمِ، فَلَوْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يُذْبَحَ صيد الحل في الْحَرَمِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَبْحِهِ فِي الْحَرَمِ، لَأَدَّى إِلَى حَظْرِ صَيْدِ الْحِلِّ عَلَى أهل الحرم، وإن ذَبَحُوهُ فِي الْحِلِّ رَاحَ وَأَنْتَنَ عِنْدَ إِدْخَالِهِ الْحَرَمَ فَجَازَ لَهُمْ ذَبْحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>